ولقدا ذهب بعض أهل العلم إلى أن قوله تعالى (وَلَا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ) خطاب عام لكل المكلفين في هذه الشعيرة، لَا فرق بين محصر وطليق، وذي عذر وغيره؛ فهو بيان لوقت التحلل من الإحرام بشكل عام، وبيان لمكان الذبح بشكل عام وهو الكعبة؛ وإن لذلك الكلام وجاهته واستقامته؛ وهو تخريج يعاضد رأي الجمهور، لأن الكلام يكون في مكان الذبح العام، لَا في الإحصار، ومكان الذبح في الإحصار علم من السنة الصحيحة في الحديبية.
وقبل أن نترك الكلام في المحصرين ينبغي أن نبين مذهب الحنفية وغيرهم في قضاء الحج أو العمرة إذا أحصروا، فقد قال مالك والشافعي: إذا تحلل بالهدى فليس عليه قضاء إلا أن يكون الإحصار في الحجة الأولى، لأن الذبح قد أحله من إحرامه فلا قضاء عليه.
ْوقال الحنفية: إن عليه عمرة وقضاء ما أحرم به من الحج، فإن كان محرمًا بحج نفلا كان عليه عمرة، وعليه قضاء حجه، لأن القاعدة عندهم أنه إذا شرع في نفل ولم يتمه وجب عليه أن يعيده، لقوله تعالى:(وَلا تبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ. . .).
وإذا كان محرما بعمرة قضاها عمرة؛ لما تقدم، ولقوله تعالى:(وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعمْرَةَ لِلَّهِ) فإن ذلك النص بعمومه يشمل حال من يشرع في حج أو عمرة، ولم يتمهما اختيارا أو اضطرارا.
(فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ) بعد أن بين سبحانه أن مظهر الانتهاء من الإحرام هو الحلق أو تقصير الشعر، وتبين مما تقدم أن الحلق غير جائز في مدة الإحرام، أخذ سبحانه يبين حكم ما إذا تعذر أو تعسر على الشخص أن يستمر من غير حلق بأن اضطر إليه لمرض في جسمه أو رأسه استوجب الحلق ليدفع الضرر به، أو كان برأسه هوام تؤذيه وتجعل غيره يتقزز منه، وقد يصير به الشخص مصدر أذى لغيره، أو عدوى، كما هو مؤذ لنفسه، ففي هذه الأحوال يحل له الحلق، ولا يحل له سواه، لأنه لَا يتحلل بذلك من الإحرام، بل يرخص له في بعض محرماته ليدفع الضر عن نفسه وغيره، ولا ضرر ولا ضرار في الإسلام؛ فالكلام في الآية السابقة في الانتهاء من الإحرام قبل أداء الأركان لعذر