ثلاث مرات، فلما لم يقم منهم أحد دخل على أم سلمة، فقالت له: يا نبي الله أتحب ذلك؟ اخرج ثم لَا تكلم أحدا منهم بكلمة حتى تنحر بدنك وتدعو حالقك؛ ففعل؛ فلما رأوا ذلك قاموا فنحروا " (١).
فهذا يدل على أن محل الهدي للمحصر هو حيث الإحصار؛ وإنه إذا كان ممنوعا فإن الهدى قد يمنع أيضًا. وقد أجاب الحنفية عن ذلك بأن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان في الحرم لَا في الحل، فهو كان في محله؛ لأنه أحصر في طرف الحديبية القريب من مكة وهو من الحرم.
ولا شك أن رأى جمهور الفقهاء يتفق مع السنة النبوية، وفيه تسهيل على المحصرين، والمناسب لحالهم هو التيسير لَا التصعيب. ولا شك أن ذبحهم في المكان الذي أحصروا فيه أيسر كلفة؛ والصدقة لَا يتعين مكانها في الضيق، ولكن النص الكريم (حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْي مَحِلَّهُ) لَا ينطبق تمام الانطباق على رأي الجمهور، إذا فسرنا المحل بالمكان؛ لأن البلوغ يقتضي مسافة بين المكانين؛ ولا ينطبق ذلك على مكان الحصر، بل ينطبق على مكان يكون فيه بلوغ؛ وإذا فسرنا المحل بالزمان تأتَّى معنى البلوغ بأن ينتظر المحصر حتى يجيء وقت الهدى وهو يوم النحر، ويكون بالغًا محله أي بالغا زمانه؛ وحينئذ لَا يتقيد المحصر بالمكان، ولكن يتقيد في الذبح بالزمان، وان زال الإحصار قبل زمانه، وأمكن الوصول إلى الحج في إبانه، فقد زال موجب الذبح، وتعين إتمام الحج.