للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فقد كان يدفع من عرفات بعد الغروب ويدفع من المزدلفة قبل الشروق، بينما المشركون كانوا يدفعون من عرفات قبل أن تغيب الشمس، ومن المزدلفة بعد أن تطلع.

والوقوف بالمزدلفة ليس شأنه في الحج شأن الوقوف بعرفات، فجمهور الفقهاء على أن من تركها لَا يفوته الحج (١).

وعرفات لها امتدادات أربعة؛ فهي تمتد في أولها: إلى طريق المشرق، وثانيها: يمتد إلى حافة الجبل الذي وراءها، وثالثها: إلى البساتين التي تلي قرنيها على يسار مستقبل الكعبة، والرابع: وادي عرنة، وليس منها؛ ولذا لَا يصح الوقوف فيه.

والمزدلفة تمتد من عرفات إلى وادي محسر، وليس منها، بل هو في أصله مسيل ماء، وقد استوت أرضه الآن (٢).

وإن الآية الكريمة تشير إلى ذلك العمل الإجماعي الذي يقوم به الحجيج، وقد وقفوا في عرفات تهز أعطافهم، وتنير قلوبهم ابتهالات جموعهم الضارعة، وتلبيتهم نداء الله الجامع، وتعلو الأرواح، وتسمو عن منازل الأشباح، تنادي الألسنة رب العالمين، وتناجي القلوب علام الغيوب؛ حتى إذا قضوا الساعات في تلك المشاهد الربانية، وتلك المدارك الروحية، أفاضوا مسرعين إلى المشعر الحرام، سائرين حيث سار محمد النبي الكريم - صلى الله عليه وسلم -، ومن قبله أبو الأنبياء إبراهيم، وقد طولبوا بالذكر الحكيم، بأن يذكروا الله وهم في المشعر الحرام بالقلوب المبتهلة الخاشعة،


= الشَّمْسِ عَلَى رُءُوسِ الْجِبَالِ، مِثْلَ عَمَائِمِ الرِّجَالِ عَلَى رُءُوسِهَا فَهَدْيُنَا مُخَالِفٌ لِهَدْيِهِمْ» ". رواه الحاكم في المستدرك ج ٢ ص ٤ ٣٠ (٣١٤٧) وقال: هذا حديث صحيح على شرط الشيخيَن ولم يخرجاه. ورواه بنحوه البيهقي: شعب الايمان (٩٥٢٩) ومجمع الزوائد (٩٥٥٥) والطبراني في الكبير، ومسند الشافعي (١٤٦٣).
(١) قال المصنف - رحمه الله -: أقوال الفقهاء في الوقوت بالمزدلفة ثلاثة أولها: أنه فرض وركن كالوقوت بعرفات، وعلى هذا الرأي بعض التابعين، وبعض الشافعية؛ وقال آخرون: إنه واجب وليس بركن بحيث من فاته وجب عليه دم، ولا يبطل حجه، وعلى هذا الحنفية والشافعية؛ وقال آخرون: إن الوقوت بالمزدلفة سنة مؤكدة، وعلى هذا أكثر المالكية.
(٢) راجع تفسير الاستاذ الإمام الثيخ محمد عبده الذي نقله عن درسه الشيخ رشيد رضا.

<<  <  ج: ص:  >  >>