للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وبالألسنة الجاهرة التي تقرع أجواز الفضاء بذكر الله العلي العليم (الله أكبر الله أكبر، الله أكبر لَا إله إلا الله، الله أكبر، الله أكبر ولله الحمد).

(وَاذْكرُوهُ كمَا هَدَاكُمْ وَإِن كُنتُم مِّن قَبْلِهِ لَمِنَ الضَّالِينَ) الخطاب في هذه الجملة الكريمة، إما أن نجعله خطابا خاصا بالذين صاحبوا النبي - صلى الله عليه وسلم - إذ أنجاهم ربهم من ضلال الوثنية ورجسها إلى نور الوحدانية وسموها، ويكون المعنى اذكروا الله وقوموا له بحق العبودية، واملئوا قلوبكم وألسنتكم وأعمالكم بذكره دائما، واجعلوه مقترنا بكل ما يكون منكم في وجودكم الإنساني؛ فقلوبكم لَا يملؤها سواه، وألسنتكم لا تضرع لغير الله، وأعمالكم لَا يقصد بها إلا وجه الله؛ فإن ذلك ثمن الهداية، وأجر التوفيق؛ ولذا قال: (وَاذْكرُوهُ كمَا هَدَاكُمْ) أي في مقابل هدايتكم، فالكاف التي تفيد في أصل معناها التشبيه تقتضي أن يكون المعنى اجعلوا الذكر لله مشابها ومساويا للهداية الربانية التي فاض نورها عليكم، وإنكم لتعلمون ذلك الفضل السابغ، وإشراق الهداية إن تذكرتم ما كنتم عليه من قبل ذلك النور الذي قذف الله به في قلوبكم؛ ولذا ذكر حالهم (وَإِن كُنتُم مِّن قَبْلِهِ لَمِنَ الضَّالِينَ) إن هنا هي المخففة من الثقيلة؛ أي إن حالكم أنكم كنتم من قبل هدايته من زمرة الضالين وجماعتهم، فاعرفوا ماضيكم من حاضر أولئك الذين ما زالوا على ضلالهم ووازنوا بين حالكم وحالهم؛ فإن تلك الموازنة تريكم نعمة ربكم عليكم، وتريكم حالكم كما كنتم من قبل، ولذا عبر عن حالهم الماضية بالوصف إذ قال: (وَإِن كُنتُم مِّن قَبْلِهِ لَمِنَ الضَّالِينَ) أي من هذه الزمرة الضالة التي ترون حالها، ولم يقل إنكم ضللتم من قبل.

وإذا كان الخطاب للصحابة الأولين فعلى غيرهم أن يعرف فضل الهداية، وإن لم يسبقها ضلال، فليذكر الله إذ وفقه من أول الأمر، وكان في الإمكان أن يكون من الضالين.

وإن جعلنا الخطاب في الآية لجماعة المسلمين عامة الماضين واللاحقين الذين توارثوا الهداية الإسلامية ولم يسبق إليهم شرك، ولم يكونوا من أهل الوثنية، يكون الذكر لأن الله جنبهم إياها، فباعد عنهم أسبابها؛ فإن معنى الهداية هو إنقاذ

<<  <  ج: ص:  >  >>