للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

(فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ لِمَنِ اتَّقَى)

هذه الأيام هي التي يكون بعدها النفير إن كان قد أدى الحاج كل الأركان، وقد بين القرآن الكريم أنه لَا يلزم أن يبقى الأيام الثلاثة بمنى فإن شاء بقي يومين يرمي فيهما الجمرات، ونفر قبل فجر اليومِ الثالث؛ وإن شاء بقي اليوم الثالث؛ وهذا معنى الجملة الكريمة (فَمَن تَعَجَّلَ فِي يوْمَيْنِ) أي سافر معجلا في اليومين الأولين فلا إثم عليه في التعجيل (وَمَن تَأخَّرَ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ) أي من بقي إلى تمام اليوم الثالث فلا إثم عليه.

وقد قيد الله سبحانه نفي الإثم بقوله (لِمَنِ اتَّقَى) للإشارة إلى أن العبرة بتقوى القلوب فتلك الحركات الحسية من التزام مكان معين في زمان معين، ورمي الجمار الثلاث لكل جمرة سبع حصيات؛ كل هذا لَا غاية له، ولا ثمرة إلا تربية التقوى وتنميتها في القلوب، لتتهذب النفس، ويربى الوجدان ويخشى العبد الديان، فيراقبه في كل الأفعال وكل الأقوال، فيكون مجتمعًا مهذبًا كاملًا صالحًا قويًا؛ لأن تهذيب الآحاد تقوية لبناء الجماعة، فلا تتنافر أجزاؤها، ولا تتباعد آحادها، وتقوم على تقوى من الله ورضوان.

وإن هذه الأيام التي يقوم فيها الحجيج بذلك الذكر في البقعة المباركة، يشاركهم فيها المسلمون في كل بقاع الأرض في بعض أفعالهم، وذكرهم؛ فالحجيج ينحرون ليتحللوا، وسائر المسلمين ينحرون ليضحوا، ويشاركوا وفود الله في صدقاتهم؛ والحجيج يكبرون ويرمون الجمار، والمسلمون في الأمصار يشاركونهم في التكبير عقب الصلوات.

وقد اتفق الفقهاء على أن المسلمين يسن لهم أن يكبروا عقب الصلوات من صبح يوم عرفة وهو اليوم التاسع إلى ما بعد صلاة العصر يوم عيد الأضحى؛ واقتصر أبو حنيفة على ذلك وتبع في ذلك عبد الله بن مسعود، ولكن أبا يوسف ومحمدا مع جمهور الفقهاء على أن التكبير لَا ينتهي عقب صلاة عصر يوم النحر، بل يستمر إلى عصر اليوم الثالث من أيام التشريق، أي اليوم الثالث عشر من ذي

<<  <  ج: ص:  >  >>