للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الحجة؛ وأن تكبير المسلمين جميعا إشعار لهم بأنهم جميعا مع الحجيج بقلوبهم وذكرهم؛ وأن المجتمع الأكبر في حرم الله هو جمعهم أجمعين، وأن أولئك الضيوف الذين حلوا في ساحة الكريم المنان هي وفودهم إلى ذلك المؤتمر الأكبر، وأن المؤمنين مهما تتباعد الديار كلهم على قلب رجل واحد في رفع راية الإسلام ونشر مبادئه الفاضلة.

(وَاتَقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكمْ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ) ختم الله سبحانه وتعالى آيات الحج التي أشار فيها إلى مناسكه، وذكر فيها بعض أعمال الحجيج الواجبة فيها، بهذه الجملة السامية، وبذلك الأمر الجازم القاطع، وهو الأمر المكون من عنصرين أحدهما: تقوى الله، وثانيهما: العلم اليقيني بالحشر، وأنه سيكون إلى رب العالمين؛ وفي هذا إشارة إلى خلاصة التدين وثمرة العبادات بكل أنواعها وكل طرقها، فإن لم تؤد أية عبادة إلى هذين الأمرين، فهي صورة لَا روح فيها، وشكل لا ثمرة منه، فإن لم ترب العبادة قلبا خاشعًا، وعقلا خاضعًا، وهوى ممنوعا، وترقبا خائفا، فهي عبادة جوفاء، وإن نسي الشخص لغفلة في نفسه أو غفوة من عقله؛ أو غشيان الضلال على قلبه - الحشر والحساب والعقاب والثواب فقد ضل ضلالا بعيدا. . إن الإيمان باليوم الآخر هو لب الدين، وهو الفاصل بين المهتدي والضال، فمن حسبها دنيا لَا آخرة بعدها، فقد خسر خسرانا مبينا؛ خسر نفسه، فضل وأضل، وخسر حياته ففهمها أجلا محدودا لَا غاية وراءها، ولا سمو بعدها، وخسر العزاء الروحي الذي يجعله يرضى بشدائد الحياة رجاء لما وراءها؛ ولذلك قال الله تعالى: (قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذبُوا بِلِقَاءِ اللَّهِ. . .).

وفى الجزء الثاني من الأمر تهديد بالعقاب، بعد الترغيب في الثواب، وعند الله حسن المآب.

* * *

<<  <  ج: ص:  >  >>