للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وقوله تعالى: (فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا) إما أن يكون متعلقًا بالقول، ويكون المعنى يعجبك قولهم الذي يكون موضوعه الحياة الدنيا، إذ يفهمون ما فيها ولا يدركون سواها؛ لأنها خِلْب أكبادهم، وغاية أمورهم، ومن أحب شيئًا أحسن القول فيه، ومن كانت الدنيا همه أحسن حكاية أمورها، حتى إن قوله فيها ليكون عجيبًا؛ أما الآخرة فلا يحسن القول فيها، لأنه لَا يبتغيها، فإن تكلم في أمر يتعلق بها اعترته حبسة وعي وحصر.

وإما أن يكون (فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا) متعلقًا بالإعجاب، أي أن قدرته على إثارة الإعجاب والاستحسان لبيانه إنما يكون ذلك في الدنيا فينتج ثمرته حيث يكون الحكم للظاهر، ولا ينقب عن القلوب والسرائر، كما قال عمر رضي الله عنه: أيها الناس إن الوحي قد انقطع، وإنما نأخذكم الآن بما ظهر لنا من أعمالكم هذا أمر الدنيا، أما الآخرة فالحكَم فيها علام الغيوب الذي يعلم ما تخفي الصدور، فلا سبيل للخديعة بالقول، فالله يكشف مستور القلوب، ويحكم عليه بمقصده وغايته، لا بقوله وإجادته.

ونحن نختار أن يكون متعلق الجار والمجرور لَا القول؛ لأنه الذي يتفق مع السياق؛ إذ إن السياق في بيان الذين يخدعون الناس في الدنيا وقلوبهم مريضة لا بيان حال من يجيدون القول فيها، وإن بعض الذين يجيدون القول في الدنيا أخيار لا أشرار.

هذا أول حال من أحوال الذين يظهرون ما لَا يخفون، ويقولون ما لا يفعلون.

أما الصفة الثانية فهي قوله تعالى: (وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ) أي أن هذا الذي يثير إعجاب الناس في الدنيا بخلابة لسانه وقوله الحلو المعجب المطرب، إن رأى الناس يتشككون في قوله أقسم بصدقه؛ لأنه قد يبدو من فحوى بيانه ما يدل على جنانه كما قال تعالى سبحانه في شأن المنافقين ومن في قلوبهم مرض: (وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ. . .)، فإذا لمح المخادع من النظرات التي

<<  <  ج: ص:  >  >>