توجه إليه استغرابًا لدعاويه، أو استبعادًا لها، وثقها بأن أشهد الله على أن ما في قلبه يوافق ما يجري على لسانه.
فمعنى قوله تعالى:(وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ) أنه يقسم بالله تعالى إن ما جرى على لسانه هو نفس ما يختلج في قلبه، أو ما يؤمن به ولقد قرر علماء اللغة أن من ألفاظ القسم: الله يعلم أني فعلت كذا، أو الله يشهد أني قلت كذا؛ فهذا توكيد بالأيمان معروف في لغة العرب، ولقد قرروا أن الحلف على هذا النحو أوكد وأوثق من القسم الصريح، وقال بعض الفقهاء: إن من يقول كاذبا: الله يشهد بكذا أو يعلم بكذا، مؤكدا كذبه بذلك، يعتبر مرتدا، لأنه كذب على الله، أو رماه بالجهل، وعندي أن ذلك لَا يعد كفرا لعدم القصد إلى ذلك المعنى الإلحادي؛ ولكنه على أي حال مستهين بحق الله عليه كشأن كل حالف بالكذب، سواء أكان الحلف بلفظ صريح في الحلف، أو بلفظ يؤدي إليه.
أولئك المخادعون الذين يخدعون الناس ولا يخدعون الله هم الذين يقطعون أوصال الأمة، وبهم تبتلى، وبسببهم تنزل الفتن ويثور الشر، وتذهب الثقة بين الناس، وتقوم العداوة بينهم مقام المودة، والبغضاء محل الإخاء، لأنهم بخديعتهم للناس، ثم تكشف أحوالهم بمرور الأيام تضيع الثقة؛ ثم الذين يعمدون إلى تلك الأساليب الماكرة لَا يبغون خيرًا، بل لَا يبغون إلا شرا، لأن الأخيار لَا يحتاجون إلى إخفاء نياتهم، وما يجول في قلوبهم؛ إنما الذين يبدون ما لَا يخفون هم الذين توسوس نفوسهم بالشر والهوى، ولا يريدون أن يطلع عليه أحد؛ ولذلك عرَّف النبي - صلى الله عليه وسلم - الشر بأنه:" ما حاك في الصدر وكرهت أن يطلع عليه الناس "(١)، فالشر لا يعيش إلا في كِنٍّ مظلم والنور يقتله، والخير يزيده النور وضوحا وقوة ونماء " ومن كان الشر غايته فهو عنصر مخرب مفسد مهلك؛ وهو بلاء لأمته وجماعته وأسرته " بل بلاء على نفسه في الدنيا عندما يعلم أمره، وفي الآخرة له عذاب أليم.