مجتمعين لَا يفرقكم إقليم ولا يحاجز بينكم جنس ولا لون، لأن وصف الإيمان جامعكم، وكلمة التوحيد رابطة بينكم؛ فإيمانكم يبعثكم إلى أن تكونوا طائعين منقادين للإسلام في اجتماع لَا افتراق معه، ويوجب عليكم أن قوحدوا كلمتكم.
والمعنى على أن كافة حال من " السلم ": ادخلوا في الإسلام بكل شرائعه وأحكامه، فلا تأخذوا بحكم وتتركوا حكما، فلا تأخذوا بالصلاة وتمنعوا الزكاة، ولا تأخذوا بأحكام الزواج وتتركوا أحكام الربا، ولا تأخذوا بنظام الميراث وتتركوا أحكام الحدود وتعطلوها، وهكذا لَا يصح أن يؤخذ بعض الإسلام، ويترك بعضه، من فعل ذلك كان كمن يؤمن ببعض الكتاب ويكفر ببعضه، وكان كمن جعل أحكام القرآن عضين، فيفرق بينها بالطاعة والعصيان، والأخذ والترك، وأحكام الإسلام كل لا يقبل التجزئة، ومجموعها هداية العقول، وطب القلوب، وعلاج الأدواء الاجتماعية والشخصية، فمن أخذ ببعضها وترك الآخر، فقد فتح في قلبه للشيطان ثلمة ينفذ منها، وحيثما حل الشيطان في قلب زلت الأقدام، وحكمت الأوهام، فيطمس نور الهداية من قلبه، وتنحل عُرَى الإسلام في نفسه من بعد ذلك عروة عروة.
هذا توضيح المعنى على تفسير كلمة السلم بمعنى الإسلام، وهو قول الأكثرين. وقال قتادة ووافقه بعض مفسري السلف: إن معنى السلم المسالمة والموادعة والصلح، وهو يشمل مسالمة المسلمين فيما بينهم، فلا يفترقون، ولا يختصمون، ولا يتنازعون حتى لَا يكون بأسهم بينهم شديدا، ويكونوا طعمة للآكلين ونهزة للمفترضين، كما يشمل مسالمتهم لغيرهم، فلا يعتدون على غيرهم ما دام لم يعتد عليهم.
والمعنى على هذا: يَا أيُّهَا الذين آمنوا إن إيمانكم يوجب عليكم أن تدخلوا في السلام العام، فلا تنابذوا أحدًا لم يعتد عليكم، ولا تقاتلوا من لم يرفع عليكم سيفًا، ولم يوال عليكم عدوا، ثم قووا وحدتكم بالسلم الموثقة والإخاء الجامع.
ولا شك أن السلام بين المسلمين أمر يفرضه الدين، وهو مما علم من الدين بالضرورة لَا يماري فيه من في قلبه ذرة من إيمان، ومن قال غيره فقد أعظم الفرية على الإسلام وأهله.