للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أما مسالمة المسلمين لغير المسلمين فقد أثار القول حولها من فهم ظواهر الأمور، ولم يتغلغل في بواطنها، إذ قال إن الإسلام قد أباح القتال، والقتال والسلام نقيضان لَا يجتمعان، والكثرة الكبرى من فقهاء المسلمين تقرر أن الأصل في العلاقة الدولية بين المسلمين وغيرهم الحرب، حتى يتقدموا بعهد أو موادعة، كما قال سبحانه: (وَإن جَنَحُوا لِلسَّلْم فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوكلْ عَلَى اللَّهِ. . .).

ذلك قول الذين فهموا الأمور بظواهرها. والحقيقة أن الإسلام دعا إلى السلام وحث عليه، ومبدؤه العام التعارف بين بني الإنسان لَا التنابذ بينهم؛ ولذا قال تعالى: (يَا أَيّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ. . .)، فما جاء الإسلام للحرب والخصام، بل جاء بالهدى والسلام، ولكن سلام الإسلام سلام عزيز قوي، وليس بسلام ذليل خانع، والسلام القوي يرد الاعتداء بمثله؛ ولذلك لما اعتدى المشركون على المسلمين أباح الإسلام القتال وقال سبحانه: (أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ (٣٩) الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ (٤٠)، فما أباح الإسلام القتال إلا لدفع الاعتداء، وليس القتال لدفع الاعتداء إلا دعوة إلى السلام القوي الفاضل، وفرق ما بين السلم العزيزة القوية، وبين الذل والخضوع، أن السلام القوي هو القدرة على رد اعتداء المعتدين إن اعتدوا؛ أما الذل فهو الاستسلام والخضوع للمعتدين، وما بذلك أمر الإسلام، وليس هذا من السلام في شيء، بل هو إغراء بالقتل والقتال وتمكين لظلم الظالمين.

وإنه لَا يغري بالقتال إلا ضعف الضعفاء واستخذاؤهم، فإن أخذوا الأهبة وأعدوا العدة وقاوموا الشر بمثله، تروَى القوي في غارته، أو امتنع عن عدوانه، فما استمرأ الذئب لحم الشاة إلا لأنها ليس لها ناب، وما عاف الأسد لحم الأسد إلا

<<  <  ج: ص:  >  >>