للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

النفوس فجورها وتقواها، وهداها الله النجدين؛ وأن الله العليم الحكيم بعث الرسل مبشرين بحسن العقبى لأهل الخير وسوء العقبى للأشرار؛ ليكون من ضل إنما يضل عن بيّنة، ومن اهتدى فعن بينة؛ ولتتحقق التبعة على الأفعال بالعقاب والثواب؛ وليكون الجزاء العادل على العمل إن خيرا فخير، وإن شرا فشر؛ وليخفف بعث النبيين الخلاف وإن كان لَا يمحوه؛ فإن المماراة واللدد في الخصومة التي اختص بها أهل الشر يمنعانهم من أن يسلموا بالحق رغبا، وإن كانوا أحيانًا يسلمون به رهبًا، وبعضهم يطمس الله على بصيرته فلا يجديه ترغيب، ولا يؤثر فيه ترهيب؛ بل هو ضال مضل إلى يوم الدين.

ولهذا قال سبحانه وتعالى: (كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ) الأمة مأخوذة من أمَّ بمعنى قصد؛ والجماعة من الناس التي تربطها رابطة، وتجمعها جامعة تسمى أمة؛ لأن كل واحد منها يؤم المجموع ويقصده، ويعتمد عليه في مدلهم الأمور. ولقد جاء في مفردات الراغب الأصفهاني في معنى الأمة ما نصه: " والأمة كل جماعة يجمعهم أمر؛ إما دين واحد، أو زمان واحد، أو مكان واحد، سواء أكان الأمر الجامع تسخيرا أو اختيارا، وجمعها أمم، وقوله تعالى: (وَمَا مِن دَابَّةٍ فِي الأَرْضِ وَلا طَائِرٍ يَطِير بِجَنَاحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثَالُكُم. . .).

أي كل نوع منها على طريقة قد سخرها الله عليها بالطبع، فهي من بين ناسجة كالعنكبوت، وبانية كالسُّرْفة (١)، ومدخرة كالنمل، ومعتمدة على قوت وقتها كالعصفور والحمام، إلى غير ذلك من الطبائع التي تخصص بها كل نوع؛ وقوله تعالى: (كَانَ النَّاسُ أمَّةً وَاحِدَةً) أي صنفا واحدًا وعلى طريقة واحدة في الضلال والكفر، وقوله: (وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أمَّةً وَاحِدَةً. . .)، أي في الإيمان؛ وقوله: (وَلْتَكُن مِّنكمْ أمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ. . .)، أي جماعة يتخيرون العلم والعمل الصالح يكونون أسوة لغيرهم؛ وقوله: (إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ. . .)، أي على دين مجتمع. . إلخ ".


(١) السُّرْفة بضم السين وسكون الراء: دويبة تتخذ بيتا من دقاق العيدان فتدخله وتموت، ومنه المثل: أصنع من سُرْفة - قاموس.

<<  <  ج: ص:  >  >>