للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ومن هذا التحقيق، وتتبع الآيات الكريمات، تبين أن معنى " أمة " الطائفة التي يجمعها أمر، ويربط بينها وصف جامع؛ فقوله تعالى: (كَان النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً) أي كان الناس على اختلاف أجناسهم وأقاليمهم وألوانهم أمة واحدة، أي تجمعها رابطة واحدة، ووصف مشترك يوحد بينهم جميعا، مهما تختلف المنازع وهنا يتطلع العقل لمعرفة ذلك الأمر الذي اشترك الناس جميعا فيه، فكانوا بذلك الاشتراك أمة واحدة ثم إلى ما تدل عليه كلمة " كان " أهو الدلالة على الماضي من غير استمرار، بمعنى أن ذلك الوصف الجامع كان في الماضي وانتهى وانقطع، أي أن الناس في الماضي كانوا أمة واحدة، وفي الحاضر والاستقبال زال ذلك الوصف عنهم، أو على الأقل في حكم المسكوت عنه، والحكم على الماضي يشمل الحال والاستقبال؛ أم أن مدلول كان هو الوجود والاستقرار، فتدل على الوقوع في الماضي يشمل الحال والاستقبال، فتدل على وقوع في الماضي والاستمرار في الحاضر، والبقاء إلى المستقبل ككان في قوله تعالى: (وَكَانَ اللَّهُ غَفورًا رَّحِيمًا).

هذان هما الأمران اللذان يعدان مجال القول، عند تفهم مدلول تلك الجملة السامية: (كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً) فلنقصد لذكر أقوال العلماء فيهما، وهي في نظرنا ترجع إلى ثلاثة أقوال:

أولها - أن الوصف الجامع الذي كان يجتمع الناس جميعا عليه هو أنهم كانوا مهديين، وعلى الفطرة المستقيمة التي فطر الله الناس عليها؛ وقد اختلف العلماء في نوع هذه الهداية وأسبابها؛ والذي نختاره ما أشرنا إليه من أنها هداية الفطرة؛ " وكان " تكون للماضي ولا يستمر الحكم بها في الحاضر، ولا يمتد إلى القابل.

ويكون على هذا التخريج لابد أن يقدر ما يدل على زوال وصف الهداية، حتى تكون الحاجة إلى بعث الله النبيين، ولذلك قال العلماء: إن معنى الآية على هذا التخريج: كان الناس أمة واحدة مهديين فاختلفوا ما بين ضال ومهتد، فبعث الله النبيين بالكتاب ليحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه.

<<  <  ج: ص:  >  >>