للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

به مهديا في مضطرب الخلاف، ومعترك النزاع؛ فالمؤمن باتجاهه المستقيم وإذعانه لليقين، وهداية رب العالمين يصل إلى الحق في موضوع الخلاف، والصواب في متنازع الآراء، لأن الذي يفسد الرأي هو الهوى، وتسلط الشهوات، فهي إذا استحكمت أضلت ذا اللب، وطمست البصيرة إذ أصبح محكوما بالأهواء والشهوات، يسير في مسارها، وهو يحسب أنه يسير وراء العقل؛ وذلك هو الضلال المبين؛ فإذا خلص المؤمن من أدران الهوى ولم تتحكم فيه الشهوات فسيصل إلى الحق لَا محالة، لأن الذي يضل العقول رَيْنُ الشهوات.

و" مِن " في قوله تعالى: (لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ) هي البيانية، والمعنى: هدى الله الذين آمنوا للحق في موضع الخلاف، فلا يطيش عقله ولا يضل فهمه، بل يتجه إلى الحق الذي جرى الخلاف حوله من غير أن تتأثر نفسه بهوى أهل الأهواء الذين اختلفوا فيه، وكانوا بسبب الاختلاف في ريب يترددون؛ لأن الاختلاف بالنسبة للمؤمن يجلو الحق ويمحصه، وبالنسبة لمريض القلب يطمس الحق في نفسه فيتخذ منه تعللات يبرر بها ضلاله.

وقوله تعالى: (بِإِذْنِهِ) معناها بتيسيره وتوفيقه، وقال الزجاج معناها: بعلمه: وقال بعضهم: بأمره، ونحن نرى أن التيسير والتوفيق يتضمن هذا كله، لأن الله سبحانه وتعالى أعلم بالحق وأمر به، وهذا من تيسيره، ثم وفق سبحانه المؤمن للعمل به، لاستقامة فكره وقلبه، ولم يوفق غير المؤمن ذلك التوفيق لتحكم الأهواء والشهوات في قلبه، فلم يتجه اتجاها مستقيما لطلب الحق والعمل به.

(وَاللَّهُ يَهْدِي مَن يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مسْتَقِيمٍ) الصراط: هو الطريق المستقيم، فوصفه بالاستقامة تأكيد لمعنى الاستقامة، وقد ذيل الله سبحانه الآية الكريمة بهذه الجملة السامية الحكيمة؛ لبيان كمال سلطانه سبحانه، وأن الذين يعاندون حكم الكتاب هم في قبضة يده لو أراد أن يهديهم لفعل، فليس لأحد سلطان بجوار سلطان الله؛ وليس الشر قوة قائمة بذاتها، إنما الجميع تحت أمر الله الكوني وسلطانه؛ ولو أراد أن يكون الجميع مهديين لكانوا، ولكنه يختبر الإنسان في هذا

<<  <  ج: ص:  >  >>