للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

والموازنة بين أمرين، وقد قال سيبويه في الكتاب أن " أم " المتصلة تكون دائمًا دالة على المعادلة والتسوية، وإن كان التعادل غير مذكور، كان مقدرًا في القول مطويا في ثناياه.

وقال بعضهم إن " أم " هي أم المنقطعة الدالة على الإضراب " وقد قال البصريون: إن أم المنقطعة تدل على الإضراب والاستفهام معًا، وكأن تقدير القول لقد نزلت بكم الشدائد من أذى شديد في مكة وأنتم مستضعفون، ومن حرب وبلاء وهزيمة أحيانا وأنتم بالمدينة، ونزعت العرب كلها عن قوس واحدة في غزوة الأحزاب، لتقتلع مدينة الله من أرضه، فعليكم أن تصبروا. . (أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ (٢١٤).

و" لا " في هذا الكلام الكريم تدل على النفي مع توقع وقوع النفي كما قال الزمخشري، والمعنى: لم ينزل بكم مثل حال الذين خلوا من قبلكم وقد ينزل أو سينزل، فإن نزل فاصبروا واعلموا أن الله مع الصابرين.

والزلزلة: شدة التحريك، وهي تكون في الأشياء وفي الأشخاص، وفي الأحوال، فيقال زلزلت الأرض إذا تحركت واضطربت، وزلزلوا أي خوفوا. وقال الزجاج: أصل الزلزلة من زل الشيء عن مكانه، فإذا قلت زلزلته فمعناه كررت زلَلَه.

والمعنى في الجملة أن أهل الحق دائمًا مُعَنَّوْنَ بظلم الظالمين، وتضييق الأشرار عليهم، ودس الأشرار ونفاق المنافقين، ودعاة التردد والهزيمة، وهم لهذا في بأساء وضراء، وقد نزل ذلك بالذين خلوا من قبل، فحياة الأنبياء وحواريهم كانت كلها امتحانا واختبارا، وأن على أصحاب محمد أن يعلموا أنه نازل بهم ما نزل بالسابقين من بأساء وضراء، وشدائد تزلزل النفوس وتضطرب لها القلوب بين الجنوب، وأن ذلك طريق الجنة، ولقد قال - صلى الله عليه وسلم -: " أَلَا إِنَّ عَمَلَ الْجَنَّةِ حَزْنٌ بِرَبْوَةٍ، أَلَا إِنَّ عَمَلَ النَّارِ سَهْلٌ بِسَهْوَةٍ " (١).


(١) رواه أحمد في مسند بني هاشم (٢٨٦٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>