للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

المصرف فيها أسلوب حكيم، وفيها إيجاز معجز، لأنه قد بين بها موضع الصرف، وإن لم يسألوا عنه، وبين فيها المقدار، لأن حاجة هؤلاء هي التي تعنيه، وفيها بين النوع، فإن كانوا محتاجين إلى ثياب يكسون، وإن كانوا محتاجين إلى طعام يطعمون، وإن كانوا محتاجين إلى مأوى يؤوَوْن. وفي هذه الإجابة فوف ذلك تصريح بحق هؤلاء على ذويهم وعلى المجتمع الذي يعيشون فيه، وهو أن يمكنوا من العيش طاعمين كاسين آوين مطمئنين، وأي مقدار ينفق في ذلك من حقهم على ذويهم وعلى الناس.

وإن ذلك الحق واجب على كل من عنده يسار بالنسبة لهم، واليسار يفهم من قوله تعالى (مَا أَنفَقْتُم مِّنْ خَيْرٍ) فكلمة خير تطلق بالنسبة للمال على الوفير منه، لا على القليل، ومن ذلك قوله تعالى: (كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِن تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالأَقرَبِينَ. . .)، فالخير هنا هو المال الوفير كالخير في تلك الآية الكريمة.

ذكر سبحانه أن موضع الإنفاق هم الوالدان، والأقربون، واليتامى، والمساكين، وأبناء السبيل، ذكر هؤلاء بذلك الترتيب، وإذا كان العطف بالواو لا يفيد ترتيبًا من الناحية النحوية فمن المؤكد أن الترتيب في الذكر يفيد معنى الأولوية من الناحية البلاغية، فالترتيب في الذكر إذن يشير بلا شك بأولوية البعض على البعض، فيسد حاجة الأبوين، ثم يسد حاجة الأقربين، ثم يسد حاجة المحتاجين من غير أسرته.

وقد روى في سبب النزول عن عطاء: أن هذه الآية نزلت في رجل أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: إن لي دينارًا، فقال: " أنفقه على نفسك " قال: إن لي دينارين، قال:

" أنفقهما على أهلك " قال: إن لي ثلاثة، قال: " أنفقها على خادمك " قال: إن لي أربعة، قال: " أنفقها على والديك "، قال: إن لي خمسة قال: " أنفقها على قرابتك "

<<  <  ج: ص:  >  >>