ذاته وعلى قراءة الفتح يكون فيه معنى الإكراه، فيكون المعنى عليه: كتب عليكم القتال، وهو أمر أنتم تلجئون إليه إلجاء، وتضطرون إليه اضطرارا؛ إذ إن الكَره ضد الطوع؛ فكأنكم لَا تدخلون الحرب طائعين، بل تدخلونها مكرهين كارهين، مضطرين غير مختارين، ألجأكم إليها الاعتداء عليكم، وانتهاك الحرمات والفتنة في الدين، فأنتم مضطرون مكرهون على القتال؛ لإزالة الفتنة وصونا للحرمات، وذودا عن الدين، تقاتلون حتى يكون الدين كله لله.
والأمر على قراءة الفتح واضح؛ لأن القتال في الإسلام أمر غير مرغوب فيه لذاته، إنما اضطر إليه المسلمون اضطرارا، كما قال تعالى:(أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ).
وأما على القراءة المشهورة، وهي قراءة ضم الكاف، فكيف كان القتال مكروها، مع أن الصحابة كان الموت في سبيل الله أحب إليهم، وكانوا يرون الشهادة في سبيل الحق غنما وليست غرما؛.
لقد قال المفسرون: إن القتال مهما يكن أمره فيه ويلات وشدائد تتلوها شدائد، ومشقات تتلوها مشقات؛ فلا يمكن أن يكون محبوبا مع ما فيه من صعاب، ومج ما يكتنفه من شدائد، فهو كان مكروها لشدائده، والعافية أحب.
ولكن ذلك لَا يتفق مع ما عرف عن العرب عامة من أنهم أهل بأس وقوة، وعزيمة ونجدة، ولا ما عرف عن أصحاب محمد خاصة من أنهم كانوا يتنافسون على أماكن الردى، يلقون بأنفسهم في مواطن الموت، لَا يهمهم إلا أن يغنموا النصر أو يغنموا الشهادة، ففي كليهما فضل عظيم.
ولذا لابد أن نبحث عن سبب آخر للكراهة؛ وذلك السبب هو الذي يتفق مع الهدى المحمدي، والمنزع الإسلامي، ذلك أن الإسلام أودع قلوب المؤمنين رأفة ورحمة، وإلفا وائتلافا، وسلاما واطمئنانا، وبرا بالرحم، وحنانا على الأقربين؛ وتلك المبادئ لَا تلتقي في قلب مع الحب في إزهاق الروح، وقتل النفوس، وإلقاء الحتوف في ميادين القتال، فليس من خلق المؤمن المحب للسلام، أن يكون محبا