للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

للقتال، ولعله كان من الصحابة من يؤثرون مطاولة المشركين، رجاء إيمانهم، ورغبة في هدايتهم، مساوقا بذلك الهدى الإسلامي، ولكن الله سبحانه وتعالى كتب القتال مع هذه الكراهة، لأنه الأهدى سبيلا بعد أن قامت الحجة، ووضحت المحجة، واستطالوا على المؤمنين بالأذى، وأخرجوهم من ديارهم، وألبوا العرب عليهم، وجمعوا الجموع.

(وَعَسَى أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لكُمْ وَعَسَى أَن تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لكُمْ) أي عسى أن تكرهوا القتال رحمة بمخالفيكم ورجاء هدايتهم، ورجاء الخير منهم، وهم لا يريدون لكم إلا خبالا، ولو سكتم عنهم لكان أمرهم وأمركم وبالا، وفسدت أمورهم وأموركم، واضطربت حالهم وحالكم، فكانوا يغيرون عليكم، وأنتم ساكتون؛ ولو قاتلتموهم وأريتموهم الحق مؤيدًا بالسلاح يقمع رءوس المعاندين المعتدين الذين يفتنون الناس عن دينهم ويحاولون نشر الفساد، لكان ذلك خيرًا لكم ولهم. ووجه الخير لكم أنه رد الاعتداء، ووقف الأعداء، والذود عن الحياض؛ وأما وجه الخير لهم فهو أنهم عساهم يهتدون؛ فإن الناس أقسام ثلاثة في قبول الحق: نوع يقنعه الدليل ويهديه البرهان، ونوع تجديه الموعظة الحسنة، ونوع جائر بائر طاغ فاسد مفسد لَا تجدي فيه الموعظة ولا يقنعه الدليل، فقال الله فيه: (وَأَنزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ. . .)، فبقتاله قد يسكت عن الشر واللجاجة فيه، ويتدبر الأمر من جديد، كما قال أبو سفيان في غزوة: لو كانت آلهتنا تنفع وتضر لنفعتنا! فكان ذلك هو السبيل لدخول الإيمان إلى قلبه، فآمن وصار من المهتدين وإن لم يكن من السابقين بالقبول والإحسان.

ثم عسى أن تحبوا الأمن والسلام وتؤثروا المحبة على الخصام، وأعداؤكم يتربصون بكم الدوائر، ويرتعون في الشر رتعا شديدًا، فلو تركتموهم وأمرهم لكان ذلك شرا لكم، ولكانوا هم قوما بورا، لَا يرشدون ولا يسترشدون؛ فمن الرحمة ما تحوي في نفسها أقسى الظلم، ومن الرفق ما يشجع أشد العنف؛ ولذا ذيل الله سبحانه وتعالى الآية بقوله: (وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ) فالله يعلم مغيب الأمور

<<  <  ج: ص:  >  >>