للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أي حرمة ويتمسحون بالشهر الحرام والقتال فيه، فيعيبون ناسا اضطروا إلى القتال غير قاصدين، وقد ارتكبوا هم معهم المنكر والزور.

وإخراج أهل المسجد منه، فإن إخراج الآمنين من مستقرهم جريمة كبيرة، وإخراج الساكنين حول البيت أكبر جرما وأعظم إثما، لأنه اعتداء عليهم، واعتداء على البيت واعتداء على الأمن الذي بقي لهم من شريعة إبراهيم عليه السلام، إذ قال: (رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِنًا وَاجْنُبْنِي وبَنِيَّ أَن نَّعْبُدَ الأَصْنَامَ)، فهم تعدد اعتداؤهم عليه: فأزالوا الأمن الذي أوجبه الله، ووضعوا حوله الأصنام، وأخرجوا أهله منه.

هذه الأمور الأربعة كلها جرائم متتالية، وكل واحدة منها جريمة بذاتها، ولكنها في مجموعها تساوي جريمة واحدة قائمة بذاتها وهي الفتنة في دين الله، ولذلك خصها الله سبحانه وتعالى بالذكر كأنها وحدها تساوي الكل أو تزيد وهي مبعث أكثرها، فقال سبحانه: (وَالْفِتْنَة أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ).

فالفتنة في دين الله، بإنزال الشدائد بالمؤمنين ليحملوهم على ترك دينهم وتضليلهم وصرفهم عن الحق الذي اختاروه بالمحن والشدائد، وتوهين نفوس الضعفاء ليرتدوا عن دينهم.

وأصل اشتقاق كلمة الفتنة من الفَتْن، وهو إدخال الذهب النار لتظهر جودته من ردائته، واستعمل في إدخال الإنسان النار، قال تعالى: (يَوْمَ هُمْ عَلَى النَّارِ يُفْتَنُونَ (١٣) ذُوقُوا فِتْنَتَكُمْ. . .)، أي عذابكم، وتستعمل الفتنة في الاختبار ومن ذلك قوله تعالى: (وَفَتَنَّاكَ فُتُونًا. . .)، وجعلت الفتنة كالبلاء في أنهما يستعملان فيما يدفع إليه الإنسان من شدة ورخاء، وهما في الشدة أظهر معنى وأكثر استعمالا، وقد جاء فيهما قوله تعالى: (وَنَبْلُوكُم بِالشَّر وَالْخَيْرِ فتْنَةً. . .). وقال في الشدة: (إِنَّمَا نَحْنُ فتْنَة. . .)، (وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ. . .)، (١).


(١) جاء في الهامش: مفردات القرآن للراغب الأصفهاني - فتن.

<<  <  ج: ص:  >  >>