للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

والفتنة التي أنزلها المشركون بالمؤمنين، وهم مستضعفون بمكة كانت أكبر من القتل؛ لأنها أذى شديد يلحق الروح، وأذى الروح وبخعها بحملها على الكفر بعد الهداية لَا يقل عن القتل، فهذا موت مادي، وذلك موت أكبر وأعظم، ولقد قال تعالى (أَوَمَن كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَن مَّثَلهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ منهَا)، فالضلال كالموت، بل هو أشد الموت، والهداية حياة أي حياة.

والفتنة فوق ذلك محاربة الفضيلة، ومحاربة قيام الجماعة على أسس من الخير فهي تؤدي إلى موت الجماعة، لأن حياة الأم بروابط الفضيلة بين أحدها وكيف يكون قتل واحد أو اثنين أو عشرة مساويا لقتل أمة، وذهاب وحدتها وتحكم الأشرار وسيادة الظلم وانتشار الفوضى؟! وإن الحرية الدينية هي معنى الإنسانية، فقتلها بالفتنة قتل لأقدس معاني الإنسانية.

ولقد كان أولئك المشركون يفتنون المسلمين الأولين عن دينهم بصنوف الأذى، والابتلاء لم يسلم من أذاهم ضعيف أو ذو عصبة، فذوو العصبة كانوا يستهزئون بهم ويثيرون السخرية حولهم، وقد تمتد أيديهم بالأذى إليهم، وقد كانوا يقاطعونهم ويمتنعون عن معاملتهم كما فعلوا ببني هاشم عندما ناصروا النبي - صلى الله عليه وسلم - ولم يسلموه إليهم ليقتلوه.

وكان أشد الأذى بالضعفاء وخصوصا الموالي، وقد حفظ التاريخ بلاء شديدا لكثيرين من المؤمنين أمثال عمار بن ياسر وأبيه وأمه، وقد مات الأب والأم في العذاب الأليم، وبقي الابن وقد خرج من المحنة مصقول النفس قوي الجنان ثابت الإيمان، وكذلك نزل بخباب بن الأرت وبلال وغيرهم.

وإن أولئك الذين فتنوا المؤمنين الأولين وهم مستضعفون، ولا يزالون على نيتهم، وقد صار الإسلام في عزة، ولذا قال سبحانه: (وَلَا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا) فهؤلاء المشركون أعداؤكم لَا تأخذكم بهم هوادة، ولا تجعلوا لهم عندكم إرادة، لأنهم أعداء دينكم، فتنوكم فيه في الماضي،

<<  <  ج: ص:  >  >>