للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وأخرجوكم من دياركم، وما زالوا على هذه النية في الحاضر، لَا يودون لكم إلا خبالا، وهم دائما في قتال معكم، فالتعيير بالفعل الدال على الاستمرار مع التعبير بالمضارع يدل على الدوام والبقاء، فهم مستمرون على القتال معكم، وأنتم معهم في قتال دائم، فإن قاتلتموهم في الشهر الحرام، فأنتم لم تبتدئوهم، بل هم الطغاة المبتدئون، وإن تركتموهم لم يتركوكم، وإن تركتموهم زمنا فقد مكنتموهم من فرصة ينتهزونها، وسهلتم لهم رغبتهم التي يضعونها نصب أعينهم وهي أن يردوكم عن دينكم.

وقد بين الله سبحانه أيضا غايتهم من هذا القتال، وأمنيتهم التي يتمنونها، وهي أن يردوكم عن دينكم الذي ارتضيتم؛ لأنهم رأوا أن هذا الدين يهدم طغيانهم، ويأتي بنيانهم من قواعده، ولأنه دين الفضيلة وهم أعداؤها ودين المساواة وهم لا يحبونها، ودين العدل وهم لَا يرتضونه، ودين النور وهم يطمسونه.

ولكن الله سبحانه وتعالى لَا يمكنهم وهو ناصركم، (إِن يَنصُرْكمُ اللَّهُ فَلا غَالِبَ لَكُمْ وَإِن يَخْذُلْكُمْ فَمَن ذَا الَّذِي يَنصُرُكُم مِّنْ بَعْده. . .).

ولقد عقب الله سبحانه وتعالى الجملة الكريمة بقوله: (إِنِ اسْتَطَاعُوا).

والتعبير بـ " إنْ " يفيد الشك في قدرتهم، بل إن الزمخشري يقول إن قوله تعالى: (إِنِ اسْتَطَاعُوا) دالة على عدم قدرتهم على ذلك أو استبعاد ذلك، فهو كقول الرجل لعدوه، لَا تبق عليّ إن ظفرت بي وهو واثق أنه لن يظفر به، وكأنه قيل لهم وأنى لهم أن يستطيعوا ذلك، والله محيط بهم، ولهذا الدين رب يحميه، ولن يذل قوم الله ناصرهم!!

بيد أنهم إن عجزوا عن ذلك بالنسبة للجماعة فلن ترد تلك العصابة المطهرة عن دينها، قد يميل معهم من يكون في قلبه مرض، أو فيه ضعف، أو لم يكن قوي الإيمان بحيث يصبر على المحن، وتصقله التجارب، وتضيء قلبه الشدائد.

ولقد حذر الله سبحانه وتعالى أولئك الضعفاء، فقال تعالت كلماته:

<<  <  ج: ص:  >  >>