للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

بل أومأت إلى التحريم المؤقت أو العلل بكونه لأجل الصلاة، وإذا كان الترتيب في النزول لأجل التدرج في المنع، فالمنطق يوجب أن يكون ما فيه إشارة إلى التحريم المطلق مؤخرا عما فيه إشارة إلى التحريم المؤقت، والعلل بكونه لأجل الصلاة.

وقبل أن نترك الكلام في آيات الخمر عامة إلى الكلام في هذه الآية الخاصة (يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ) لابد أن نشير إلى معنى خاص بالآية الأولى وهو قوله تعالى (وَمِن ثَمَرَاتِ النَّخِيلِ والأَعْنَابِ تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَرًا وَرِزْقًا حَسَنًا. . .)، فقد فهم بعض الناس أنها تبيح الخمر، ومن المقررات العلمية في الإسلام أن ما أباحه الله لَا يرد نص صريح بإباحته بل يكون متروكا لَا نص فيه بالإباحة ولا بالمنع، ولذا يقول علماء الأصول أنه لَا يكون مباحا، بل يكون في مرتبة العفو لأن ما فيه من أسباب التحريم قائم، ولكن لَا نص يمنع، فيكون محل عفو الله، إذ لا عقوبة من غير نص، فكيف تكون هذه الآية مشيرة بالإباحة؛ والجواب عن ذلك أن ذا الفهم المستقيم لَا يأخذ من الآية الأولى دلالة على الإباحة لَا بالإشارة ولا بالعبارة، بل إنها تدل على التحريم بالإشارة، وإن لم تكن قريبة كالإشارة في قوله تعالى: (يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ) ووجه الإشارة إلى التحريم في تلك الآية أن الله سبحانه وتعالى يمن عليهم بنعمه وذكرها لهم، فذكر أنه سبحانه وتعالى رزقهم ثمرات النخيل والأعناب فاتخذوا منه سكرا، ورزقا حسنا، أي أنهم أخذوا منه نوعين متقابلين: أحدهما مسكر والآخر شراب حسن وطعام جيد سماه رزقا حسنا، فتسميته أحد النوعين بأنه رزق حسن معنى ذلك أن مقابله ليس رزقا حسنا، بل هو استعمال سيئ لما أنعم الله به، وفي ذلك بلا ريب إشارة إلى أنه مبغض غير مستحسن، ولا يقر من يتخذه كذلك على ما يفعل، فليس في هذه الآية إذن إشارة إلى الإباحة بل فيها إشارة إلى التحريم أو تصريح بعدم الاستحسان أو ما هو في حكم التصريح من حيث الدلالة اللغوية.

وبعد ذلك نتكلم عن حقيقة الخمر عند الفقهاء، ثم نتكلم عما فيها من إثم، وما فيها من نفع، ووجه الكبر في إثمها والقلة في نفعها، وقبل أن نخوض في كلام الفقهاء نذكر الاشتقاق اللغوي لكلمة الخمر:

<<  <  ج: ص:  >  >>