للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

سبيله واعظ من ضمير، أو زاجر من نفس لائمة، ويستوي في ذلك قليل الخمر وكثيره، كما يستوي في ذلك من لَا يسكر ومن يسكر من الشرب.

بعد هذا نشير في إلمامة موجزة إلى معنى قوله تعالى: (فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ) (وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا) ولنبتدئ الآن ببيان إثم الخمر ثم نعقب على ذلك ببيان إثم الميسر.

الإثم في أصل معناه: اسم لكل فعل معوق مبطئ لَا يوصل إلى الأغراض والنتائج، ثم أطلق في لغة القرآن على أفعال الشر، لأن الشر يعوق الإنسان عن الوصول إلى الغاية الإنسانية الكاملة، ويبطئ عن الوصول إلى الثواب في الآخرة.

وقد تطلق كلمة إثم في لغة القرآن الكريم ويراد منه العذاب والعقاب ومن ذلك قوله تعالى: (. . . وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا).

والمراد من الإثم في الآية الكريمة ما يقابل النفع وهو الضرر. وفي الحقيقة أن الخمر فيها ضرر لَا شك في ذلك، وضررها أكبر من نفعها بلا ريب، وحسبها ضررا أمران لَا شك في وجودهما، ولاريب في أنهما يترتبان عليها:

أولهما - إضعاف صوت الضمير، ولا شيء يضر في الاجتماع أكثر من صوت الضمير أو إضعافه، لأن الخلق الاجتماعي الذي يترتب عليه الإلف، والائتلاف بين الناس أساسه الحياء، والإحساس بسلطان الجماعة لائمة ومهذبة، وتبادل الشعور بينه وبين غيره، ثم النفس اللوامة، وإن الكأس تذهب بكل هذا: تذهب بالحياء والحياء خير كله، وإذا لم تستح فاصنع ما شئت، ويندفع الشخص في مخالفة الجماعة غير هياب ولا وجل، وكثيرا ما يكون القصد الأول من الشرب خرق حجاب الحياء، لينطلق بالقول والفعل بما لَا يليق.

وإن ذلك الأمر يعم كل شارب، سواء أكان ممن تقرب سكرتهم، أم كان ممن تبعد، وسواء أكان المقدار قليلا، أم كان كثيرا، فلا يكاد يكون شارب بعد شربه في حيائه الذي كان عليه من قبل، وفي قوة وجدانه وضميره التي كانت له قبل أن يتناول ذلك السم الخلقي الذي يفتك بالأخلاق والفضيلة، ولذلك سميت الخمر بحق

<<  <  ج: ص:  >  >>