للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وإن الأسباب في تفضيل المؤمن ولو عبدًا على المشرك ولو كان يثير الإعجاب بجمال جسمه وقوة بدنه، وجاهه الدنيوي، هي التي ذكرناها هناك، ويزاد عليها أن المشرك بما فيه من عنجهية ورجس الجاهلية، والطغيان النفسي، يسيء معاملة زوجه من غير دين مانع، ولا خلق زاجر، ولا ضمير لائم، فمن زوج ذات رحم منه مشركا فقد أسلمها إلى الجحيم، وألقى بها في فتنة، تفتن بها في دينها وفي خلقها، وفى كرامتها وفي إنسانيتها، وإن ذلك لَا يغني عن كونه حرا نسيبا، فإن تلك المعاني التي تبذل أغلى من الحرية والنسب والمال والنشب، لأنها معاني الإنسانية السامية، ولهذا كان عبد مؤمن خيرًا من كافر نسيب ولو غير مشرك.

ويجب أن نشير في هذا المقام إلى أمرين:

أولهما - أن التعبير بلفظ الإنكاح في جانب تزويج المؤمنة بالمشرك، استدل به لجمهور الفقهاء بأن المرأة لَا تباشر عقد زواجها بنفسها، وأنها لَا تنفرد باختيار الزوج، ولو كانت بالغة عاقلة رشيدة، وقد أشرنا إلى ذلك من قبل، وهنا نبين وجه الاستدلال للجمهور ومستنده من السنة: أما وجه الاستدلال بالآية فهو أنه عند النهي عن الزواجِ من المشركة، قال: (وَلا تَنكِحُوا) وعند النهي عن الزواج من المشرك قال: (ولا تُنكِحُوا) والأول العقد للنفس، والثاني العقد للغير، فذكر العقد للغير في مقام تزويج الأنثى دليل على أنها لَا تتولى إنشاء العقد بنفسها، ولا يسوغ لها أن تنفرد به دون وليها، وقد أيدت ذلك أحاديث قد وردت مثل قوله - صلى الله عليه وسلم -: " لا نكاح إلا بولي " (١) ومثل قوله - صلى الله عليه وسلم -: " أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها فنكاحها باطل، فنكاحها باطل، فنكاحها باطل " (٢).

وخالف الجمهور أبو حنيفة، وفي رواية عن أبي يوسف أنه منعه، وقد زعم أن كل الأخبار الواردة بمنع الزواج إلا بولي لم تصح نسبتها إلى الرسول، وروى أن


(١) رواه الترمذي في النكاح (١٠٢٠)، وأبو داود (١٧٨٥)، وابن ماجه (١٨٧١)، وأحمد: أول مسند الكوفيين (١٨٦٩٧)، والدارمي (٢٠٨٧) عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه.
(٢) رواه الترمذي: النكاح (١٠٢١) وقال أبو عيسى: هذا حديث حسن، ورواه أبو داود (١٧٨٤)، وابن ماجه (١٨٦٩)، وأحمد: باقي مسند الأنصار (٢٣٢٣٦)، والدارمي (٢٠٨٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>