للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الرسول - صلى الله عليه وسلم - قال " الأيم أحق بنفسها من وليها " (١) وإن التعبير بالإنكاح في الآية جرى مجرى العرف الشائع الغالب، وأن النكاح قد أسند إليها في قوله تعالى: (فَإِن طَلَّقَهَا فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَى تَنكِحَ زَوْجًا غَيْره. . .)، ولأنها تدير أموالها، وتتولى العقود عليها، فأولى أن تتولى أمر زواجها؛ ولأن الولاية تثبت في الشرع لمصلحة المولى عليه، ومصلحتها في أن تكون حرة، ولا ضرر على أوليائها إذا تقيد الزواج بالكفاءة ومهر المثل، فلا عار يلحقهم حينئذ.

ومع أن أبا حنيفة يطلق حرية المرأة في الزواج، فإنه يستحسن أن يتولى زواجها وليها كما هو العرف الجاري بين الناس.

أما الأمر الثاني الذي يجب أن نشير إليه - فهو أن هذه الآية حرمت نكاح المسلمة بالمشرك، وليس فيها ما يدل على تحريم المسلمة بالكتابي؛ لأن كلمة مشرك لا تعم الكتابي في لغة القرآن الكريم، والحقيقة العرفية الإسلامية، والتي أجمع المسلمون عليها تحريم زواج المسلمة بالكتابي؛ وسند هذا الإجماع قوله تعالى في سورة الممتحنة: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا جَاءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلَا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لَا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلَا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ وَآتُوهُمْ مَا أَنْفَقُوا وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ وَلَا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ)، فهذه الآية صريحة في أن زواج المسلمة بالكافر لا يحل، وإن كانت زوجته وأسلمت دونه انتهت وصارت لَا تحل له، ولا يحل لها.

وكلمة كافر تشمل الكتابي والمشرك، كما قال تعالى: (مَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَروا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَلا الْمُشْرِكِينَ أَن يُنَزَّلَ عَلَيْكم مِّنْ خَيْرٍ من رَّبِّكمْ. . .).

وعلى هذا النص وعمل الرسول - صلى الله عليه وسلم - اعتمد إجماع الصحابة والتابعين من بعدهم إلى اليوم.


(١) رواه مسلم: النكاح - باب استئذان الثيب في النكاح بالنطق والبكر (٢٥٤٥) ورواه الترمذي: النكاح - ما جاء في استنمار البكر والثيب (١٠٢٦) والنسائي (٣٢٠٨)، وأبو داود (١٧٩٥) وأحمد في مسنده (١٧٩٠) ومالك في الموطأ (٩٦٧) - والدارمي (٢٠٩٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>