للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

(أُوْلَئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى الْجَنَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ) وازَن سبحانه وتعالى بين الزواج من المؤمنة والزواج من المشركة، والزواج من المؤمن والزواج من المشرك، وكانت الموازنة من حيث الخيرية في كل جانب، فكان خير المشركين والمشركات حسيا ماديا، والمنفعة فيه عاجلة غير باقية، وكان الخير في جانب المؤمنين والمؤمنات نفسيا وروحيا والمنفعة فيه باقية غير سريعة الزوال، وتتناسب مع عقد الزواج وهو عقد الحياة الذي يمتد بامتدادها، وانتهت الموازنة بأن المؤمنة ولو كانت أمة خير من المشركة ولو كانت نسيبة حسناء؛ وبأن المؤمن ولو كان عبدًا خير من المشرك ولو كان حسيبا نسيبا ونهدا قويا.

وفى هذه الجملة السامية يبين سبحانه مغبة السوء في الزواج بالمشركين والمشركات، فقال سبحانه: (أُوْلَئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ) أي أن أولئك المشركين والمشركات إذا كان فيهم ما يستهوي الراغب في الزواج منهم من نسب رفيع، وجاه عريض، ومال وفير، وجمال ومنصب، فهم بهذه الأوصاف الدنيوية التي تستهوي النفوس الضعيفة إذا كان معها الشرك بالله وعبادة الأوثان، يدعون إلى الإقدام على أسباب النار في الآخرة والعذاب الأليم فيها، فإن الاستهواء المادي للنفس الضعيفة، والخلطة المستمرة بين الزوجين، والاتصال الدائم بينهما، كما قال تعالى: (هُنَّ لِبَاسٌ لَّكمْ وَأَنتُمْ لِبَاسٌ لهُنَّ. . .)، إن هذه الأمور كلها من شأنها أن تسهل قبول المسلم أو المسلمة لما عليه المشرك من عادات جاهلية، وأخلاق وثنية؛ تبتدئ تلك المفاسد بالسريان إلى النفس بالسكوت عنها، ثم بالرضا عن فاعلها؛ ثم بالرضا عن فعلها، ثم باستحسانها؛ وأول الشر استحسانه، وبذلك تنحل عُرى الإسلام في نفس المسلم عروة عروة، حتى لَا يبقى من الإسلام إلا الاسم والرسم؛ وهما لا يغنيان عن حقيقته شيئا!.

وكلما كانت عوامل الإعجاب أكثر، كانت عوامل التأثير والدعوة أشد وأقوى؛ فإذا كانت مسلمة تحت سلطان رجل مشرك له فضل سطوة وجاه ومال وقوة ونسب وله جمال وهمة وإقدام، فإن تلك العوامل كلها تؤثر في نفسها شيئا فشيئا

<<  <  ج: ص:  >  >>