حتى تخرجها من الإسلام خطوة بعد خطوة وتكون خارجة عنه وهي لَا تحس ولا تشعر.
وكذلك إذا كان الرجل المسلم قد تزوج مشركة حسناء لها منصب ومال ونسب، ولطف مودة وحسن مدخل، فإنها كلما قويت عوامل التأثير عندها، ضعف مقدارها من خلق الإسلام عنده، حتى يستحسن ما تستحسن؛ ويستهجن ما تستهجن؛ ولا دعوة إلى النار أقوى من هذا!
وليس المراد بالدعوة القول والنداء إلى ما يدخل النار؛ بل المعنى أن المودة والإغراء ولطف المدخل والاستيلاء النفسي؛ كل هذا من شأنه أن يؤثر، فيكون كالدعوة إلى الشرك والنار بالقول، بل أقوى تأثيرا.
وقد يقول قائل: هذه الدعوة إلى النار بهذا التأثير قد تكون أيضا في زواج المسلم بالكتابية، كما هي في زواج المسلم بالمشركة؛ فإنها إن كانت ذات جمال ومنصب في قومها، ولها استهواء خاص، قد تدعو إلى النار، كما تدعو المشركة، وتحل الخلق الديني في نفس المسلم، كما تحله المشركة؛ وكان مقتضى هذا أن يحرم زواج المسلم بغير المسلمة مطلقا كما حرم زواج المسلمة بغير المسلم مطلقا؛ وإن لذلك الكلام موضعه؛ ولذلك أجمع الفقهاء على كراهة زواج المسلم بالكتابية؛ بل لقد زعم بعض العلماء أن زواج المسلم من الكتابية محرم كزواجه من المشركة.
ولكن الجمهور لَا يقطعون بالتحريم أمام النص القاطع بالحِل، ولا يعملون العلة ليهمل النص؛ بل يرون أن علة التحريم لَا تتوافر في الكتابية توافرها في المشركة؛ فإن المشركة لَا ترتبط بأي قانون خلقي يعصمها من الزلل، ويجعل الزوج يربطها به؛ أما الكتابية فإن مجموع الفضائل الإنسانية من الصدق والأمانة، ومنع الخيانة، وحسن المعاملة وحسن العشرة، وغيرها من المبادئ الفاضلة لَا تزال باقية في تعاليم دينها؛ فيمكن الاحتكام إليها، كما يمكن الاطمئنان إلى أن الزوجة تستمسك بالفضيلة في الجملة إن أحسن الاختيار.