للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

خلاف لفظي لَا جدوى - من حيث المعنى - فيه، ولماذا كان السؤال؟ ألم يكن من مقتضى الفطرة أن يعلموا الجواب؟ نعم لقد كان من مقتضى الفطرة أن يعلموا أن الحيض أذى في كل أحواله، وأنه يعتزل موضعه إبان ظهوره؛ ولكن أهل الديانات السماوية التي كانت تصاقب (١) أماكنهم في بلادهم من اليهود والنصارى قد اختلفوا، ما بين متشددين في شأن الحائض، ومتسامحين في شأنها؛ فالنصارى ما كانوا يفرقون بين حائض وغير حائض في المعاملة والمباشرة؛ واليهود كانوا يشددون عليها وعلى أنفسهم في المعاملة فيتجنبونها اجتنابًا تامًا، ولا يعتزلونها في المباشرة وحدها، بل يعزلونها في كل الأحوال عن أنفسهم عزلا كاملا، حتى ليعتبرون كل ما مسته يكون نجسا، ومن يمسها يكون نجسا، وكأنها تكون من الأنجاس في هذه المدة (٢).

وكان من العرب من تأثروا بطريق اليهود، ومنهم من سلكوا مسلك النصارى، فسألوا عن حكم الإسلام إلى أي الطريقين يتجه، فكان الفطرة التي فطر الله الناس عليها، وكان بين ذلك قواما؛ فأباح المعاملة ومنع المباشرة.

(قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ) أجاب الله سبحانه وتعالى بما أمر به النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يجيب به (هُوَ أَذًى) أي هذا الدم الذي يلفظه الرحم أذى يتأذى به الإنسان تأذيا حسيا جسميا؛ فرائحته، يتأذى منها من يشمها، وهو قذر في ذاته، وهو فوق ذلك أذى نفسي للرجل والمرأة معا؛ فالمرأة لا تكون في حال تستسيغ معها المباشرة؛ بل إنها تكون متقززة منها في هذه الحال نافرة إلا في الأحوال الشاذة والصور النادرة، وجهازها التناسلي يكون في حال اضطراب، فتتألم من كل مباشرة، وأعصابها وأحوالها وعامة شئونها تكون في حال تتأذى معها


(١) صاقبه مصاقبة، وصقابا: إذا قاربه وواجهه، يقال: جار مصاقب [الوسيط (صقب)].
(٢) قال الشيخ رحمه الله: جاء في الفصل الخامس عشر من سفر اللاويين (أن كل من مس الحائض في أيام طمثها يكون نجسا، وكل من مس فراشها يغسل ثيابه ويستحم بماء، ويكون نجسا إلى المساء، وكل من مس متاعا تجلس عليه يغسل ثيابه ويستحم بماء ويكون نجسا إلى المساء، وإن اضطجع معها رجل، فكان طمثها عليه يكون نجسا سبعة أيام، وكل فراش يضطجع عليه يكون نجسا). وبهذا يستبين أن اليهود كانوا يشددون في شأن الحائض، حتى تنطوي؛ على نفسها، فلا تمس شيئا حتى لَا تنجسه.

<<  <  ج: ص:  >  >>