للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

من كل اتصال جنسي؛ والرجل يتأذي نفسيا؛ إذ يكون خليطه في حال نفرة بل بغض لما يقدم عليه؛ ثم إن المباشرة في هذه الحال لَا يتحقق معها القصد الأسمى وهو النسل؛ فإن المرأة في هذه الحال لَا تكون صالحة للإنسال.

وإذا كان موضع الحيض أو الحيض نفسه شيئًا يتقزز منه، فإن الوصية الواجبة في حاله هي الاعتزال؛ ولذا قال سبحانه مرتبا الوصية على تلك الحال التي يتأذى منها: (فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ) أي اعتزلوهن في وقت الحيض، والمراد بالاعتزال الامتناع عن المباشرة؛ وقد روي عن ابن عباس أن المراد بالاعتزال هو اعتزال الفراش، وهو في ذلك أقرب إلى مسالك اليهود؛ ولكن تلك الرواية شاذة لا يلتفت إليها، ولا تنقض إجماع العلماء على أن المراد بالاعتزال هو الامتناع عن المباشرة، لَا ترك الفراش وتجنب النوم معها على فراش واحد؛ فقد أجمع العلماء وتضافرت الروايات على أن المنهي عنه فقط هو المباشرة نفسها.

ولعل تلك الرواية المروية عن ابن عباس رضي الله عنه تتجه إلى أن اعتزال الفراش بأن ينام في مكان وهي في مكان إنما هو للاحتياط حتى لَا يكون اتحاد الفراش مؤديًا إلى ذلك الأمر الممنوع.

ولئن أخذنا بهذه الرواية لكان تحريم المباشرة لذاته، وتحريم الاجتماع في المبيت على فراش واحد لغيره؛ لأنه يؤدي إلى الممنوع لذاته.

ويلاحظ في نسق الكلمات السامية (قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ) أنه قد قدم السبب على المسبب، والعلة على المعلول؛ فإن سبب الوصية بالاعتزال هو كون المحيض أذى يوجب الاعتزال فيه.

وإذا كان سبب الاعتزال وعدم المباشرة هو أذى المحيض فإن الاعتزال مؤقت بوجوده، ويزول بانتهائه؛ ولذلك بين سبحانه مدى تحريم الاعتزال بقوله تعالى:

(وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ) والقرب المنهي عنه كناية عن المباشرة، وهي من الكنايات القرآنية التي تربى الذوق وتمنع عن الأسماع الألفاظ التي يجافي سماعها الأذواق السليمة؛ وكم للقرآن الكريم من كنايات ومجازات تعلو بمستوى القارئ، ولها

<<  <  ج: ص:  >  >>