وبه الطهارة، وإن كان الانقطاع لأقل من عشرة أيام فلابد من تأكد زوال الدم بعمل آخر من جانبها وهو الاغتسال الفعلي، وبذلك تنطبق قراءة (حَتَّى يَطْهُرْنَ) فالحنفية قد أعملوا القراءتين في نظرهم.
وغيرهم لم يفرق بين القراءتين في المعنى وفسرهما بمعنى الاغتسال فلا تحل قبله مطلقا؛ فالطهر حقيقة فيه، وغيره مجاز، ولا قرينة تدل على إرادة المعنى المجازي، فلا يعدل عن الحقيقة؛ وفوق ذلك فإن إباحة المباشرة صرح فيها بأن ذلك متصل بالتطهر، لَا بالطهور؛ فقد قال سبحانه:
(فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُم اللَّهُ) وإذا كان المنع مؤقتا، فإنه بزواله تجيء الإباحة، وتعود الحال إلى ما كانت عليه، وهنا كلمتان ساميتان نشير إلى بعض ما اشتملتا عليه من معانٍ سامية، وهما قوله تعالى:(فَأتوهُنَّ) والثانية قوله: (مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُم اللَّهُ). والطلب في قوله تعالى:(فَأتوهُنَّ) ليس المراد به الحتم واللزوم. فليس بلازم الإتيان عقب التطهر؛ لأن ذلك مبني على الرغبة والطاقة، إنما المراد هو إباحة المباشرة فإنه من المقرر عند علماء الأصول أن الأمر بعد النهي يكون للإباحة، وخصوصا إذا كان الموضع موضع حل وإباحة لَا موضع تكليف وإلزام، مثل قوله تعالى:(وَإِذَا حَلَلْتمْ فَاصْطَادوا. . .)، ومثل قوله تعالى:(فإذَا قُضيَتِ الصًلاةُ فَانتَشِرُوا فِي الأَرْضِ وَابْتَغُوا مِن فَضْلِ اللَّهِ. . .).
وأما الكلمة الثانية وهي (مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّه) فمن هنا المسماة بمن الابتدائية، أي الإتيان يكون مبتدئا من المكان الذي أحله الله سبحانه، وهو الذي كونه الله سبحانه على أنه المكان الفطري الطبيعي لتلك العلاقة الجنسية، وهو مكان البذر والإنسال، فالمراد من أمر الله في هذا المقام الأمر الإلزامي الذي جاء الإلزام فيه بحكم الشرع الإلهي، وبحكم الفطرة التكوينية، فقد أمر الله بأن تكون المباشرة في موضع النسل والحرث والبذر، والفطرة التي فطر الله الناس عليها توجب ذلك وتلزم به؛ إلا من إيفت مشاعرهم وشذ تكوينهم؛ ولذلك كانت تلك الفطرة هي الوضع