للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الإنساني الذي التزمه بنو الإنسان حتى المتوحشون المتبدون، ولم يخرج عن ذلك إلا الذين أصابهم شذوذ في عقولهم ونفوسهم من بعض الذين سموا متمدينين.

(إِنَّ اللَّهَ يحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ) ذيل الله سبحانه وتعالى هذه الآية الكريمة بتلك الجملة السامية؛ والتواب صيغة مبالغة من تائب بمعنى راجع إلى ربه إذا هفا، منيب إليه إذا انحرف؛ كثير الرجوع إلى رب العالمين بتوبة نصوح؛ والتواب وصف مدح يمدح به العبيد.

وإن للتوبة منزلتين:

المنزلة الأولى: أن يرتكب الشخص منكرا أو معصية بشكل عام، سواء أكانت صغيرة أم كانت كبيرة، ويفعل ذلك بجهالة، ثم يتوب توبة نصوحا، ويحسن التوبة فيغفر الله له، فإن الله سبحانه يغفر الذنوب جميعا لمن أحسن التوبة؛ والتوبة في هذه الحال وصف مدح بلا شك، وخصوصا إذا استشعر التائب ما كان فيه، وأحس بالخضوع وأحسن التضرع، وكان تذكره للماضي حافزا على الاستمساك بحاضره، والاتجاه إلى ربه، وطلب المغفرة؛ فإن الإحساس بذل المعصية يدنيه من ربه، ويقربه والمنزلة الثانية من التوبة وهي العالية السامية: أن يحس المؤمن التقي بمقام ربه، فيحس مع ذلك بالقصور في حقه، فيراجع ربه بالتوبة الحين بعد الحين، تداركا لما ظن من تقصيره، وما ارتكب في تقديره، فيكون توابا منيبا مستمرا في توبته.

والله سبحانه يحب التائب في كلتا حاليه، وإن تفاوتت المنازل واختلفت الدرجات. ومحبة الله تعالى للتائبين رضاه عنهم، وإسباغ رحمته عليهم؛ فالمحبة رضا ورحمة وتقريب. والمتطهرون هم الذين طهروا حسهم ونفوسهم، وظاهرهم وباطنهم.

وإن تذييل الآية بهذه الجملة السامية يفيد ثلاث فوائد:

<<  <  ج: ص:  >  >>