للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

(وَقَدِّمُوا لأَنفُسِكمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُم مُّلاقُوهُ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ) اشتملت هذه الجمل السامية على ثلاثة أوامر، وبشرى، أما الأوامر الثلاثة فهي (وَقَدِّمُوا لأَنفُسِكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهُ وَاعْلَمُوا أَنَّكُم مُّلاقُوهُ)، وأما البشرى، فهي (وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ).

والأمر الأول: وهو قوله تعالى: (وَقَدِّمُوا لأَنفُسِكُمْ) معناه اعملوا في حاضركم ما يكون لمستقبلكم ذخرا وعتادا، وقدموا من الأعمال الصالحة في الحاضر، ما يكون نفعًا لكم في المستقبل؛ لأن من يعمل عملا صالحًا في حاضره، يمكن للمستقبل الحسن لنفسه، وهذا المعنى عام يشمل كل عمل صالح، وكل بر يقدم عليه الإنسان، فهو حصن المستقبل، يقدمه لنفسه من بناء الحاضر على عماد مكين من الخير، وهو في هذه الآية يدل مع هذا العموم على معنى فيها على وجه الخصوص، وهو ما يتناسب مع الزواج وعشرة الأهل، والقيام على شئونهم؛ فالمعنى على هذا: قدموا لأنفسكم في أمر الزواج وما يثمره، بأن تختاروا عند الزواج ذات الخلق والدين والعفاف والاعتدال، حتى يكون لكم حياة هنيئة في حياتكم الزوجية، فمن اختار الزوج العفيفة ذات الدين فقد قدم لنفسه، ولمستقبله، وإذا أحسنتم الاختيار فاطلبوا النسل وقوموا على شئونه وتعهده بالخلق الجميل وبث الفضيلة في نفسه، فإن من قام على تربية ولده فقد قدم لنفسه والولد عمل صالح لأبيه، وإذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من بر يؤثر عنه، وولد صالح يذكره ويدعو له، وصدقة جارية مأثورة عنه، ثم إذا أحسنتم اختيار الزوج فاحسنوا عشرتها، وخذوها بالرفق والدين والفضيلة والمعاملة الحسنة والقيام بحقها، فإن من يفعل ذلك يقدم لنفسه، فإن المرأة إذا جمحت نغصت البيت، وكان العيش نكدا، فمن أحسن معاملة أهله فقد قدَّم لنفسه.

وعلى هذا يكون لقوله تعالى: (وَقَدِّمُوا لأَنفُسِكُمْ) معنى عام يشمل كل خير، ويدخل في عمومه معنى خاص، وهو ما يتعلق بالزواج والعشرة الزوجية والولد.

<<  <  ج: ص:  >  >>