للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

والأمر الثاني: قوله تعالى: (وَاتَّقُوا اللَّهَ) وله معنى عام وهو أن يجعلوا بينهم وبين عصيان الله وقاية، ويخافوا الله سبحانه، ويجتنبوا المعاصي، والأذى، وظلم الحقوق، والاعتداء على الناس، وخصوصًا الرقيق، ويدخل في هذا المعنى العام معنى خاص يتصل بموضوع الآيات الكريمات، وهو الزواج وما يثمره، وهو أن يتقي أذى العشير، وظلم المرأة، وهضمها حقوقها، وظلم الأولاد بعدم القيام على شئونهم، وحسن تربيتهم؛ وإن أذى المرأة ظلم ليس فوقه ظلم، وهو ظلمات يوم القيامة. وفي المأثور عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: " اتقوا الله في النساء فإنهن عوان عندكم، اتخذتموهن بأمانة الله، واستحللتم فروجهن بكلمة الله " (١). وكان آخر ما وصى به النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يتقوا الله تعالى في المرأة والرقيق.

والأمر الثالث: قوله (وَاعْلَمُوا أَنَّكُم مُّلاقُوهُ) والإيمان بلقاء الله تعالى هو الذي يربي النفس على فعل الطاعات واجتناب المنهيات، وهو الذي يجعل الإنسان يطمئن إلى فعل الخير، إذ يعلم أن فيه رضوان الله، وهو سيلقاه، ويجنب نفسه فعل الشر؛ لأن فيه غضب الله، وسيلقاه، وسيجزيه الجزاء الأوفى، سيجزيه على الإحسان إحسانا، وعلى السوء سوءًا؛ إنه بكل شيء عليم؛ وهذا المعنى عام في كل ششون الحياة؛ ويدخل في هذا العموم المعنى الخاص بالحياة الزوجية، وهو أن يراقب الله في معاملته لأهله وولده، وإن المرأة إن كانت بين يديه قد فقدت النصير، أو حيل بينها وبين نصرائها، فليعلم أن الله معها، وأنه عليه رقيب، وأنه سيلاقيه، وسيأخذه أخذ عزيز مقتدر، ومنتقم جبار، وأنه إن استبد به طغيانه فأكل حقوقها، وانحرفت فطرته فضيع أولاده، فإن الله عليه رقيب، وسيلقاه، ويجزيه على سوء ما صنع؛ وإذا أحسن العشرة، وقام بحق الله وحق الزوج وحق الولد، فأعطى كل ذي حق حقه، فإن الله سيلقاه، وسيجزيه من الخير بما قدمت يداه.


(١) رواه مسلم: الحج (١٣٧ ٢)، وأبو داود: المناسك (١٦٢٧)، وابن ماجه (٣٠٦٥) عن جابر رضي الله عنه، والدارمي (١٧٧٨)، وهو جزء من حديث طويل في حجة النبي - صلى الله عليه وسلم -.
قَالَ أبُو عيسَى: هَذَا حَديث حَسَن صَحِيحٌ وَمَعْنَى قَوْلِه عَوَانٌ عِنْدَكُمْ يَعْنِي أسْرَى فِى أيْدِيكُمْ. كما رواه ابن ماجه: النَكاح - حق المرَأة على زوجها (١٨٤١) وروَاه أحمد في أول مسند البصريين، عن عم أبي حرة الرقاشي (١٩٧٧٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>