للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

(هـ) واحتاط الشارع الإسلامي خامسا فسوغ لهما أن يستأنفا حياة زوجية جديدة، إن عادت القلوب النافرة، واستقامت على الحق، وندم كل واحد على ما فرط منه في جنب صاحبه.

فإن تكرر الطلاق من بعد، تكررت الاحتياطات السابقة، فإن كانت الثالثة فهي التحريم المؤقت، حتى تكون التجربة القاسية بزواجها من رجل آخر زواجا صحيحا للدوام والبقاء وقيام ابعشرة الزوجية الجديدة ثم انتهائها بأي سبب من أسباب الإنهاء الشرعية الصحيحة، فإنها بعد ذلك تحل لزوجها الأول، وقد صقلته التجربة وصقله البعد، والله عليم بذات الصدور.

ولقد سقنا هذا القول في مقدمة تفسير هذه الآيات الكريمة المشتملة على أحكام الطلاق، لأن ذلك القول خلاصتها، وهو مرماها، ولنضع الأحجار في أفواه الذين يعيبون أحكام الطلاق في القرآن، وهي أحكام قد اشتقت من الفطرة وطبيعة الحياة الزوجية، والاحتياط لها ما أمكن الاحتياط ولم يكن شيء منها معروفا من قبل، ولم يصل العقل البشرى لأدق منها وأحكم من بعد؛ إنها شريعة اللطيف الخبير.

(وَالْمُطَلَّقَات يَتَرَبَّصْنَ بِأنفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ) التربص معناه: التأني والانتظار، وقد قال بعض العلماء أنه مقلوب التصبر، فهو تكلف الأناة، وتكلف الانتظار مع صعوبة الاحتمال، كما هو الشأن في أمر الصبر والتصبر، وسواء أصح ذلك القول أم لم يصح، فالتصبر والتربص متلاقيان في المعنى، ومتشابهان في اللفظ.

والتعبير " يتربصن " يدل على الأمر، وهو الطلب اللازم المؤكد، وإن كانت الصيغة في ظاهرها صيغة خبرية، وقد قرر الخبراء بالبيان العربي أن أوكد الصيغ دلالة على اللزوم الموثق: الصيغ الخبرية التي تساق للطلب، مثل (وَالْوَالِدَات يُرْضعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَن يتِمَّ الرَّضَاعَةَ. . .)، ومثل هذه الآية الكريمة التي نتكلم في معناها، ولكن مع ذلك لماذا كان النسق البياني

<<  <  ج: ص:  >  >>