السامي في أن يجيء الأمر في هذا المقام بتلك الصيغة الخبرية، فيكون معنى يتربصن: ليتربصن؟.
والجواب عن ذلك من عدة وجوه:
أولها: الإشارة إلى أن ذلك التربص يجب أن يكون من ذات نفس المطلقة، لأنه هو الذي يليق بكرامتها، ويتفق مع فطرتها، فإن كانت الرغبة تدفعها إلى الزواج العاجل السريع إن كان الزوج الجديد كفئا، فإن الكرامة توجب عليها الانتظار والتريث، فلا يليق بالحرة الكريمة أن تنتقل بين الأزواج انتقالا سريعا، لَا فاصل فيه بين الزوجين.
وثانيها: أن نداء الفطرة يوجب عليها الانتظار لتستبرئ رحمها، حتى إذا كان حمل نسب لأبيه ولا يتنازعه الأزواج، فهن إذا انتظرن وامتنعن عن الزواج هذه المدة فكأن ذلك من أنفسهن لَا من أمر فوقهن، وكأن ذلك إلزام الفطرة قبل أن يكون إلزام الشرع.
وثالثها: الإشارة إلى أن الأمر بالتربص أجيب وحصل التربص فعلا، فالتعبير بصيغة الخبر إشارة إلى الأمر والتنفيذ معا.
وإن من أبلغ الإشارات السامية الإتيان بكلمة (بِأنفُسِهِنَّ) في الإلزام بالتربص، فإن فيها الإشارة إلى ما في معنى التربص من الصيانة لأنفسهن عن الابتذال والاحتفاظ بكرامتهن. ولقد قال الزمخشري: في ذكر " الأنفس " تهييج لهن على التربص وزيادة بعث؛ لأن فيه ما يستنكفن منه، فيحملهن على أن يتربصن، وذلك أن أنفس النساء طوامح إلى الرجال، فأمرن أن يقمعن أنفسهن، ويغلبنها على الطموح ويجبرنها على التربص.
ولماذا كانت تلك الإشارات المتعددة على المرأة؛ لأن التربص لَا يعرف إلا من جانبها، فمداه لَا يعرف إلا منها، فكان ذلك التشديد النفسي، لتتغلب على أهوائها ولا تقول إلا حقا.