للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ثانيهما: قوله تعالى بعد ذلك: (فَإِن طَلَّقَهَا فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ. . .)، فإن هذه المطلقة الثالثة، ولو كان التسريح بإحسان هو الثالثة لكانت هذه رابعة، ولم يقل ذلك أحد.

(وَلا يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَأخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلَّا أَن يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ) إذا كان الفراق بين الزوجين يجب أن يكون مصحوبا بالإحسان والرفق، وألا ينسوا الفضل بينهم، فلا يصح أن يأخذ شيئًا مما آتاها من مال؛ لأن ذلك يكون مجافاة لا إحسانا؛ ولأن ذلك يكون ظلمًا لَا عدل فيه؛ ولقد قال سبحانه وتعالى: (وَإِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَكَانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا فَلَا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا (٢٠).

وقال تعالى: (وَلا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ إِلَّا أَن يَأتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ)، وإن أخذ شيء حرام بلا ريب عند الفرقة، وإن الحرمة سببها ألا يجمع على المرأة أمرين كلاهما مؤذ لها؛ أولها الفراق الذي لَا تريده، وثانيهما استرداد ما وهب. وقد يقول قائل: إذا طابت نفسها بذلك فلماذا لَا يأخذ؟ فنقول: إذا كان طيب نفسها من غير نشوز منها، والبغضُ منه هو الذي رغب في الطلاق وأراده، فإن ذلك مكارم أخلاق منها، وفساد نفس منه، ومثل ذلك لَا يكون حلالا؛ وليس من ذلك قوله تعالى: (فَإِن طِبْنَ لَكُمْ عَن شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَّرِيئًا)، لأن هذه الآية موضوعها حال قيام الزوجية، كما أنه ليس منه قوله تعالى: (وَأَن تَعْفوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى. . .)، لأن تلك الآية موضوعها الطلاق قبل الدخول الذي يسقط نصف المهر، فإنهما لم تقم بينهما عشرة زوجية، فسوغ العفو منها إذا لم تكن قد قبضت شيئًا، أو قبضت دون نصف المهر؛ وسوغ العفو منه إن كانت قد قبضت أكثر من النصف؛ ولذلك لم يكن في ذلك أخذ لما أعطى عند عفوها، بل إسقاط لما يجب، وعساه يكون في عسرة، وعسى أن يكون ذلك سبب الفراق ولم يكن منه أخذ، ولكن كان منها إسقاط، فلا ظلم ولا بهتان.

<<  <  ج: ص:  >  >>