ولم يسوغ الشارع الحكيم الأخذ إلا إذا خافا ألا يقيما حدود الله، ففي هذه الحال يحل الأخذ. وحدود الله سبحانه وتعالى ما أوجبه من حقوق للرجل على زوجته، ولها عليه، وهي مقاصد الزواج؛ فإن لم يتحقق من الزواج مقاصده، ولم تقم الأسرة الهنيئة التي تربط بين آحادها المودة الواصلة بين الزوجين فأخذ المال جائز.
وتلك الحال التي يخافان ألا يقيما حدود الله، وواجباته، وحقوق كل منهما على صاحبه، تتحقق بسببين:
أحدهما - أن تكون المرأة ناشزا عاصية أو كارهة، كتلك المرأة التي ذهبت إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تقول:" والله ما أعتب على ثابت في دين ولا خلق، ولكني أكره الكفر في الإسلام؛ لَا أطيقه بغضا! فقال لها النبي - صلى الله عليه وسلم -: " أتردين عليه حديقته؟ " - وهي المهر الذي أمهرها - قالت: نعم. فأمره أن يأخذ منها حديقته ولا يزداد (١)؛ ففرق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بينهما بطريق الخلع، ويقال إنه كان أول خلع في الإسلام.
وأحيانا تكون المرأة كارهة ولا تبدي بغضها بهذه الصراحة، ولكنها تثير الشغب في البيت لأتفه سبب، وتعصي زوجها، وتقوم بالكفر في الإسلام، ولا تتورع عنه، وهذا ما كرهت امرأة ثابت بن قيس التي جاءت الرواية بأمرها.
ثانيهما - أن يكون بالمرأة عيب مستحكم ولا يمكن معه القيام بالحقوق الزوجية، فإن أخذ المال في هذه الحال يكون سائغًا، وإن لم يكن نشوز ولا عصيان؛ ولذلك سوغ الحنابلة والمالكية أن يطلب الرجل من القاضي التفريق على أن يأخذ ما أعطى أو بعض ما أعطى، وإن لم يعتبر التفريق خلعًا.
وإن هذين السببين كلا منهما يدل على أن أخذ المال جائز إذا كان سبب الفراق من جانبها، أو سبب عدم القيام بحدود الله وتحقق العدالة من جانبها؛ ولكن الآية الكريمة مطلقة لَا تقيد في جواز الأخذ بكون النشوز من جانبها أو من جانبه، بل
(١) هذا لفظ ابن ماجه: الطلاق (٢٠٤٦)، ورواه البخاري: الطلاق (٤٨٦٧)، والنسائي (٣٤٠٩).