للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

(فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ) الجناح معناه الإثم، من جنح بمعنى مال. والافتداء معناه تخليص النفس بمال يبذل لتخليصها، ودفع الأذى عنها، وأصله من الفدى والفداء بمعنى حفظ الإنسان نفسه عن النائبة بما يبذله.

والخطاب في الآية إما أن يكون لجماعة المؤمنين من حيث إنهم متعاونون فيما بينهم، بحيث وجدوا الشر بين الزوجين، وإما أن يكون خطابًا لجماعة الأزواج الذين كان بينهم وبين نسائهم ما يخشى معه ألا يقيم كلاهما حدود الله التي رسمها للحياة الزوجية، فالخطاب لإباحة الأخذ والفداء.

وعندي أن جعل الخطاب لجماعة المؤمنين أولى بالاعتبار، فإن على من يعرف ما بين الزوجين أن يتدخل بالنصح والإرشاد وبيان حكم الله، ولذلك كان الخطاب عاما لجماعة المؤمنين بقوله (فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حدُودَ اللَّهِ) ونفي إثم الأخذ خاصا بالزوجين، ولذا قال (فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ) ولقد فهم بعض العلماء من التابعين من كون الخطاب موجهًا إلى جماعة المؤمنين أن الخلع الذي هو التفريق بين الزوجين في نظير مال تفدي نفسها به، ولا يكون إلا بأمر ولي الأمر أو القاضي الذي يقيمه ولي الأمر لذلك، وقد فهم هذا الفهم الحسن البصري، وسعيد بن جبير، وابن سيرين، وكان يسير على ذلك الرأي زياد بن أبيه في حكمه، وقد كان مقبول الولاية من عمر وعلى، وكلاهما مكانته في الفقه مكانته.

وإن قصر الخلع على السلطان على هذا المذهب لَا نحسبه صوابًا، ولكن نرى أن الأولى أن يقال: إن الخلع كما يجوز بتراضي الزوجين إذا خافا ألا يقيما حدود الله، كذلك يجوز بأمر القاضي إذا تبين له بعد تحكيم الحكمين أنهما لَا يقيمان حدود الله بسبب نفرة المرأة من الحياة الزوجية، وذلك ما نص عليه في مذهب مالك رضي الله عنه، فقد جاء أن الأمر إذا فسد بين الزوجين، ولم تعلم له أسباب ظاهرة حكم الحكمان، فإن تبين أن العشرة بينهما غير ممكنة، فرقا بينهما، وجاز أن يكون التفريق خلعًا إذا كانت الإساءة من جانب المرأة.

<<  <  ج: ص:  >  >>