يتطرق الريب إليها، وأن من يخالفها يعاند الله ويحاربه، ويتجنب الصالح، ويتبع الطالح، ويترك النافع إلى مافيه الضرر في الدنيا والآخرة.
وإذا كانت تلك الأحكام حدودًا فلا يصح تجاوزها وتركها، وإلا كان معتديًا على حرمات الله، متهجمًا على شرع الله؛ ولذا قال سبحانه:(فَلا تَعْتَدوهَا) فالفاء هي فاء السببية التي تبين أن ما قبلها سبب لما بعدها؛ أي أنه إذا كانت تلك الأحكام حدود الله (فَلا تَعْتَدُوهَا) فلا تتجاوزوها إلى الشقة الحرام، وإلا كان الردى وسوء العقبى وفساد المال؛ لأن تلك الحدود عدل الله القائم إلى يوم القيامة، وهي عدله في الأسرة التي هي عماد المجتمع، وبها قام بنيانه، فإذا قامت على الظلم انهار المجتمع من دعائمه.
ولقد ذيل الله سبحانه الآية الكريمة بقضية عامة هي في عنق التاركين لأحكام الله إلى يوم القيامة، فقال تعالى:(وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ) من يترك أحكام الله سبحانه وتعالى التي شرعها في قرآنه، وبينها على لسان نبيه الكريم، فإنه بسبب تركه لها ظالم لنفسه، وظالم لجماعته، وظالم في الحكم بين الناس.
وقد أكد الله سبحانه وتعالى الحكم على من يترك شرع الله بالظلم، فقد ربط بفاء السببية بين التعدي لحدود الله والحكم بالظلم، وتكرار الربط بالسببية للتوكيد، وعبر بالإشارة مع وجود ما يغني عنها لتأكيد معنى السببية، أي أن السبب في ظلمهم تحملهم لتلك المخالفة والمعاندة لحدود الله ولله، وأردف ذلك بقوله " هم " وهو للتأكيد؛ ثم عبر بالجملة الاسمية للإشارة إلى أن الظلم شأن من شئونهم ووصف ملازم لهم ما داموا تاركين لحدوده؛ ثم كان القصر، أي قصر الظلم عليهم، وهو قصر حقيقي.
ولماذا كان ذلك التأكيد الشديد؛ كان لسببين:
أولهما: أن الإنسان مغرور دائمًا، ومحكوم نفسيا بأمور زمنية، تسيطر عليه الأحوال التي تلابسه، وقد يكون فيها الظلم والضرر، ويتوهمهما العدل والمصلحة،