للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

طلق امرأته ثلاثا ثم ندم، فقال: هو رجل عصى الله فأندمه، وأطاع الشيطان فلم يجعل له مخرجا، فقيل له: فكيف ترى في رجل يحلها؟ فقال: من يخادع الله يخدعه.

ولقد اتفق المسلمون على أن نكاح التحليل حرام إن قصد العاقد به التحليل " لتضافر الأخبار بلعن النبي - صلى الله عليه وسلم - له، ولأنه يخادع الشرع الشريف، ويتحايل لإسقاط أحكامه؛ ولأنه ما قصد بالعقد زواج رغبة وبقاء، بل قصد التحليل، فهو عقد مؤقت، وهو منهي عنه، ولأن الباعث على العقد ليس أمرًا أحله الشارع، إنما هو نقيض أمره، وكل أمر على خلاف أمر الشارع فهو رد على صاحبه، والعبرة في الأمور الشرعية ببواعثها ونياتها، لقوله - صلى الله عليه وسلم -: " إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى " (١) فمن نوى أن يخدع الشرع بفعله فعليه إثم نيته، ومن نوى بعقده ما أحله الله سبحانه وتعالى فله نيته.

ومع اتفاق فقهاء المسلمين على أن نكاح التحليل حرام لصريح النصوص، إلا أنهم قد اختلفوا في بطلانه، وفي تحليلها للمطلق الأول بمقتضى ذلك العقد، ذلك أن بعض الفقهاء يرون أن النهي عن عقد لَا يمنع صحته، فالصحة والحل ليسا متلازمين تلازما لَا يقبل الافتراق، فالنهي عن البيع وقت الجمعة لَا يقتضي بطلانه والنهي عن الزواج مع تأكد الظلم إن تزوج لَا يمنع صحته إن تزوج مع هذه الحال، وهكذا.

وبتطبيق هذه النظرية عند أولئك الفقهاء على نكاح التحليل نراهم يقررون أنه حرام، ولكنه إن وقع فهو صحيح، ويترتب عليه حلها للأول مع إثم الاثنين أو الثلاثة.

وأما الذين قالوا إن النهي عن عقد يقتضي بطلانه، فقد قرروا أن عقد التحليل إن ثبت أنه للتحليل فهو حرام، وغير صحيح، ولا يترتب عليه حل للأول.

وإنا نبين موضع الخلاف بإجمال، فنقول: إن عقد التحليل له حالان:


(١) متفق عليه؛ أخرجه البخاري: بدء الوحي (١) بهذا اللفظ.

<<  <  ج: ص:  >  >>