للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وبعد هذا العرض الذي سقناه بيانًا لآراء العلماء أجد في نفسي ميلًا لأن أعتبر الحياة التي منحهم الله سبحانه وتعالى ليست تلك الحياة المادية في الدنيا بإعادة الروح إلى العظام واللحم؛ وإن كان ذلك في قدرة الله سبحانه وتعالى؛ ولو كانت الآية في مقام إثبات البعث والنشور لقررنا ذلك وقلنا إن الآية لَا تحتمل سواه، ولكن المقام هنا هو مقام الحث على القتال والتحريض عليه وسوق القصص الدالة على وجوبه، ليكون حفاظا للأمم، وسياجًا لوجودها، فيكون الإحياء بمعنى غير إعادة الروح إلى الجسد في هذه الدنيا، وعلى ذلك لَا مناص لي من أن أختار أحد أمرين:

أولهما: أن نقول إن الحياة هي حياة الأمم برد عزتها بعد أن فقدتها، والموت هو موت الأمم بذهاب جامعتها على النحو الذي بينه الأستاذ الإمام؛ فالحياة والموت هنا معنويان، والقرآن الكريم قد أطلق الحياة والموت على الأمور المعنوية، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ. . .)، وقال تعالى: (أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا. . .).

وإنا إذا اخترنا ذلك المنهاج الذي نهجه الأستاذ الشيخ محمد عبده، فإننا نقرر أن الله سبحانه قد ذكر لنا في آية آخرى في بني إسرائيل أنهم تفرقوا في الصحراء تائهين عندما عجزوا عن دخول الأرض المقدسة مع موسى فذهبت وحدتهم، حتى إذا رد إليهم بأسهم وقويت نفوسهم بالحياة البدوية جمعهم الله فأحياهم وجعلهم جماعة تقاتل في ظل النبيين. وقد ذكر الله سبحانه وتعالى ذلك في سورة المائدة فقد قال تعالى في مجاوبة بني إسرائيل لموسى عندما دعاهم إلى القتال ليدخلوا الأرض المقدسة: (قَالُوا يَا مُوسَى إِنَّا لَنْ نَدْخُلَهَا أَبَدًا مَا دَامُوا فِيهَا فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ (٢٤) قَالَ رَبِّ إِنِّي لَا أَمْلِكُ إِلَّا نَفْسِي وَأَخِي فَافْرُقْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ (٢٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>