للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فهؤلاء الذين تاهوا في الأرض قد ماتت وحدتهم، وقد أحياهم الله سبحانه من بعد بجمع كلمتهم في عهد الملوك والنبيين. وإنه ليزكي ذلك النظر أن الآيات من بعد ذلك في قتال بني إسرائيل مع ملوكهم وأنبيائهم، وانتصارهم وهم فئة قليلة مع داود عليه السلام على أعدائهم وقد كانوا كثيرين.

الأمر الثاني: الذي تحتمله الآية الكريمة في معنى الحياة والممات: أن يكون المراد الموت الحقيقي بموت أكثرهم، وتشتت باقيهم؛ وذلك لأن حذر الموت جعل عدوهم يعمل سيفه في رقابهم حتى أباد خضراءهم، واجتث شأفتهم، والحياة من بعد ذلك هي الحياة الآخرة، وما يجري بعدها من حساب وعقاب، فهم قد أذاقهم الله سبحانه وتعالى بها مغبة الجبن في الدنيا، وسيحاسبهم على ما كان منهم في الآخرة، فهم بهذا قد خسروا الدنيا والآخرة، وذلك هو الخسران المبين. وقد يقول قائل: إن التعبير بالماضي والحياة في الآخرة أمر مستقبل غيب الله سبحانه زمانه، وأكد وجوده، فنقول: إن التعبير بالماضي للدلالة على تأكيد أن الوقوع في المستقبل منهاج قرآني كما في قوله تعالى: (أَتَى أَمْرُ اللَّهِ فَلا تَسْتَعْجلُوهُ. . .)، فـ (أتي) هنا بمعنى سيأتي، بقرينة " فلا تستعجلوه " ومثل قوله تعالى في أهوال يوم القيامة: (وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا).

هذان هما الأمران، ولعل أولهما أبين وأوضح، ونحن إليه أميل. وقد يقول قائل: لماذا تستبعد الإحياء الجسمي في الدنيا؟ أهو مستحيل؟ وجوابنا عن ذلك: إنه ليس بمستحيل، ولكنه خارق للعادة، والله سبحانه وتعالى يسير أمور الناس على مقتضى ما سنه في الكون حتى تقتضي حكمته خرق ذلك النظام ليكون حجة على رسالة رسول، وليس في الآية ما يدل على ذلك، كما أنه لم يسق الآية لبيان البعث حتى يكون خرق سنن الله التي سنها في الكون لبيان قرب البعث وقدرة الله عليه؛ إنما الأمر في الجهاد، ويناسب ذلك أحد المعنيين اللذين ذكرناهما، والأول في هذا المقام أنسب، وهو على النحو الذي وضحناه يكون تمهيدًا لبيان قصص بني إسرائيل في قتالهم.

<<  <  ج: ص:  >  >>