للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

(إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَشْكُرُونَ) بعد بيان حال الذين فروا من الجهاد، وآثروا الدعة والراحة فلم يأخذوا الأهبة للقاء عدوهم الذي يتربص بهم الدوائر، وينتهز أية فرصة لينقض عليهم؛ بعد بيان حال هؤلاء وأنهم يفرون من الموت في شرف إلى الموت في خسة، ومن الموت العزيز الكريم، إلى الموت الذليل الذي يدفع إليه الطبع اللئيم؛ بعد هذا كله أشار سبحانه إلى فضله تعالى على الناس أجمعين؛ وإن الإشارة إلى فضل الله تعالى في هذا المقام تنبيه للعقول الغافلة، وإيقاظ للأفكار الراقدة إلى عظيم نعمته تعالى على الناس في أنفسهم وفي اجتماعهم؛ وذلك لأنه سبحانه وتعالى أنشا النفوس الإنسانية، وأودعها الإلف والائتلاف، وبذلك يتكون الاجتماع، ويعاون كل امرئ الآخرين، وبفضل التعاون تقوم الأمة، ويشتد ساعدها، ولقد أوح الله سبحانه وتعالى مع تلك النعمة المؤلفة الرابطة قوة أخرى في الإنسان، وهي القدرة على الدفاع عن النفس، ومغالبة الذين يصاولونه، ويريدون به الأذى، من أعداء مغيرين، أو حيوان مفترس؛ فبهذه القوة الخلقية التي أودعت نفسه، وبتلك القوة الجسمية المكافحة يصاول أعداءه، ويحمي أولياءه، ومن مزيد فضله على الناسِ أن أباح الدفاع عن النفس، والقتل في سبيل ذلك، كما قال تعالى: (أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ).

ومن فضل الله على الناس أن مكن للمظلوم من ظالمه، وللمعتدى عليه من المعتدي إذا أخذ المظلوم في أسباب دفع الظلم واستعد، ولم يمكن الظالم من رقبته؛ فإن مات في سبيل ذلك مات شهيدًا، وجعل الله سبحانه وتعالى له في الآخرة نعيمًا مقيمًا، وثوابًا دائمًا، واعتبره أفضل الأحياء؛ كما قال تعالى: (وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاء عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ).

واعتبر سبحانه وتعالى الجهاد في الدفاع عن الحوزة والديار ما دام عادلًا، جهادًا في سبيله سبحانه وتعالى.

<<  <  ج: ص:  >  >>