للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الفقر؛ وقال بعضهم الجوع وآثاره والحق أن الله سبحانه وتعالى لم يبين لنا هذه العلامة التي يعرفون بها؛ ولكنه ذكر أنها تعرف لذي البصيرة؛ أي أن الشخص المدرك الفاهم يستطيع معرفتها بزكانة (١) نفسه، من لمحات الوجه، ومن تعرف مصادر الشخص وموارده، وما يحاول به ستر حاله؛ فإنه مهما يحاول الفقير التجمل والصبر فإنه لابد أن تبدو حاجته لذي البصيرة الكريم الذي لَا يعلن عورات الناس؛ فالعلامة إذن هي الظاهرة التي تبدو للفاحص الذي يُطْمَأن إليه.

وقد ذكر الله سبحانه وتعالى بهذا أمرين: أحدهما ينسب للجاهل وهو الظن بأنهم من الأغنياء، إذ قال سبحانه: (يَحْسَبهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ مِنَ التَّعَفُّفِ)؛ هذا ظن الجاهل بالنفوس يحسبهم لفرط تجملهم بالصبر أغنياء، والأمر الثاني أن لهم سيما ومظهرًا لَا يعرفه الجاهل، ويعرفه غيره بالنظر الفاحص العاطف، الكاشف الساتر.

وأما الوصف الخامس من أوصافهم أنهم (لا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا) أي أنهم لا يسألون الناس، ولا يلحفون في السؤال أو الطلب؛ ولقد قال الزمخشري في معنى " إلحافًا ": " الإلحاف الإلحاح، وهو اللزوم، وألا يفارقه إلا بشيء يعطاه من قولهم: (لحفني من فضل لحافه) أي أعطاني من فضل ما عنده "، وقال الراغب الأصفهاني: " أصله من اللحاف، وهو ما يتغطى به " وعلى هذا يكون معنى الإلحاف: هو الملازمة في الطلب وملاصقة من يطلب العطاء كملاصقة اللحاف لمن يستر به، أو الإلحاف يأخذ به الفضل الذي يعطاه.

وقد اختلف العلماء في النفي بهذه الجملة السامية: أهو نفي للإلحاف وليس نفيًا للسؤال " أي أنهم يسألون ولكن لَا يلحفون في السؤال؛ أم هو نفي للسؤال مطلقًا سواء أكان إلحافًا أم من غير إلحاف؟

قال بعض العلماء: إن النص الكريم يفيد بظاهره نفي الإلحاف لَا نفي أصل السؤال، لأن النفي منصب عليه، إذ النفي إذا كان لأمر مقيد بوصف يكون موضعه ومناطه هو القيد، لَا الأصل.


(١) الزكانة والزَّكَنُ بالتحريك التفرس والظن يقال زَكِنْتُه صالحا أي ظتته. [لسان العرب - زكن].

<<  <  ج: ص:  >  >>