للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وإذا كان أصحاب هذا الرأي قد فسروا الآية على ذلك الظاهر، فقد قرروا أنه لَا معارضة بينها وبين الأحاديث التي تفيد النزول، لأنها تدل على مجرد العودة إن أخذناها بظاهرها، وليس الله سبحانه وتعالى بعاجز عن أن يرد روحه إلى جسمه، وهو الذي يُحي العظام وهي رميم، وكما قال تعالى: (. . . كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ)، وفضلُ عيسى عليه السلام أنه عاد إلى جسده قبل أن يعود غيره إلى جسده، هذا إذا قبلت هذه الأحاديث بظاهرها من غير تأويل، ومن غير نظر إلى سندها وكونها أخبار آحاد لَا يؤخذ بها في الاعتقاد.

وأما التوفيق بين الآية الكريمة وبين قوله تعالى: (بَل رَّفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ) فإنه في نظر أصحاب ذلك النظر لَا يحتاج إلى عناء في التأويل، لأن الإضراب الذي تضمنته " بل " إضراب عن القتل والصلب، وليس إضرابا عن الموت الطبيعي، وكونه لَا يقتل ولا يصلب لَا يقتضي أنه لَا يموت موتا طبيعيا، والتعبير بقوله: (بَل رَّفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ) فيه إشارة إلى معنى الكرامة والإعزاز والحماية، وأنه تعالى حاميه منهم، ومانعه دونهم، وأنهم لن يتمكنوا من رقبته، إذ إن الذي يحميها هو خالق الكون، وخالق القدر.

هذا هو التفسير الأول للآية الكريمة، وهو الذي يجريها على ظاهرها من غير أي تأويل، ويقرر أنه إن كان لابد من تأوبل فهو فيما يعارض ظاهره ظاهرها، على أن التوفيق في ذاته ممكن من غير تأويل بعيد أو قريب، إذ الظاهر أن التفسيرين في نظرهم غير متعارضين، والتوجيه الصحيح لمعانيها يجعلها متلاقية غير متنافرة وإن التأويل إنما يكون بترك ظاهر الآية الكريمة: (مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ).

والتفسير الثاني: يقرر أن الرفع بالجسم لَا بالروح فقط، وأن عيسى حي في السماء، وأن الأرض قد خلت منه ليعود إليها فيملؤها عدلا، بعد أن ملئت جورا؛ وإن أصحاب هذا الرأي وهم الأكثرون ويحتاجون بلا ريب إلى تأويل هذه الآية، ولهم في التأويل طرق مختلفة، منها أن قوله (مُتَوَفِيكَ) ليس معناها مميتك، بل

<<  <  ج: ص:  >  >>