معناها هو المعنى اللغوي الأصلي إذ إن التوفِّي في اللغة أخذ الشيء وافيا تاما، والمراد في نظرهم أنِّي موفيك حياتك كلها في الدنيا على الأرض ببقائك فيها، ثم رافعك إلى السماء تستوفي حظك من الحياة هناك. ولكن يعارض هذا التأويل أن القرآن له استعمال في العبارات يخصصها، وقد خصص هذا اللفظ بالموت، كما خصصته اللغة، ومن ذلك قوله تعالى:(الله يَتَوفَى الأنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا) وقوله تعالى: (قُلْ يَتَوَفَاكُم ملَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِلَ بِكُمْ. . .).
ومن التأويلات: أنهم فسروا الوفاة بمعنى النوم باعتبار أن النوم هو الموتة الأولى، ومن ذلك قوله تعالى:(وَهُوَ الَّذِي يَتَوفَاكُم بِاللَّيْلِ وَيَعْلَمُ مَا جَرحْتُم بِالنَّهَارِ. . .). والمعنى على هذا منومك نوما عميقا، ثم رافعك في أثناء هذا النوم إليَّ.
ومن التأويلات: ما ذكره القرطبي بقوله: (إِنِّي مُتَوَفِيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ) على التقديم والتأخير، لأن الواو لَا توجب الرتبة، والمعنى إنِّى رافِعُكَ إليَّ ومطَهِّرُك من الذين كفروا ومتوفيك بعد أن تنزل من السماء، كقوله تعالى:(وَلَوْلا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِن رَّبِّكَ لَكَانَ لِزَامًا وَأَجَلٌ مسَمًّى)، والتقدير ولولا كلمة سبقت من ربك وأجل مسمى لكان لزاما (١) أي أن الوفاة ستكون، وليست سابقة على الرفع، بل هي متأخرة عنه، أي أنه عليه السلام يموت بعد أن ينزل إلى الأرض ولا شك أن هذا ضرب من التأويل، وليس ظاهر النص.
ذانك نظران في تفسير الآية الكريمة، أولهما يعتمد على ظاهر الآية الكريمة، وعلى أنه لَا تعارض بين هذا الظاهر وظواهر النصوص الأخرى، ومنهم من يقف من أحاديث نزوله إلى الأرض موقف المستفهم؛ لماذا اختص عيسى بهذا؟ ولماذا لَا يكون هذا لنبينا محمد - صلى الله عليه وسلم -؛ ويخشى أن يكون ذلك من دس النصارى، وكم دسوا في الإسلام، ولقد كان في عصر التابعين يوحنا الدمشقي في بلاط بني