للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أحدهما موجه إلى الأمة كلها، وهو إعداد هذه الطائفة التي تقوم بالإرشاد العام والتوجيه الفكري والنفسي، وتزويدها بكل ما يمكنها من أداء مهمتها، والقيام بالواجب عليها على الوجه الأكمل، وثاني الواجبين هو واجب هذه الطائفة التي تكونت، والوجوب عليها أخص من الوجوب الأول، وكذلك الشأن في كل الفروض الكفائية، فيها وجوبان: وجوب خاص على من عندهم الأهلية الخاصة للواجب الكفائي، ووجوب عام على الأمة كلها، وهو تمكين هؤلاء الخاصة من القيام بواجبهم وتزويدهم بما يحتاجون إليه.

وقد رجح الزمخشري أن تكون (مِنْ) تبعيضية، وقال في ذلك " من " للتبعيض لأن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من فروض الكفايات، ولأنه لا يصلح له إلا من علم المعروف والمنكر، وعلم كيف يرتب الأمر في إقامته، وكيف يباشره، فإن الجاهل ربما نهى عن معروف، وأمر بمنكر، وربما عرف الحكم في مذهبه، وجهله في مذهب صاحبه، فنهاه عن غير منكر، وقد يغلظ في موضع اللين، ويلين في موضع الغلظة، وينكر على من لَا يزيده إنكاره إلا تماديا، أو على من الإنكار إليه عبث، كالإنكار على الجلادين وأضرابهم).

والأمة التي تُقصد وتكون من صفوة الأمة لها عملان متمايزان بنص الآية؛ أحدهما: الدعوة إلى الخير، وثانيهما: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. أما الأول فهو توجيه الأمة إلى النفع العام، فالخير هو كل أمر نافع في الدنيا أو في الآخرة، كتنظيم الاقتصاد، وترتيب العمران، وتنظيم حقوق الفقراء، وربط العلاقة بين الأغنياء والفقراء بوثائِق من الدين والنصوص المحكمة التي لَا تقبل التخلف، وإنشاء المساجد ودور التعلم وتوجيهها التوجيه السليم، فكل هذا دعوة إلى الخير، وبعبارة عامة شاملة الدعوة إلى الخير تشتمل على كل ما يقوم عليه بناء الاجتماع من الناحية المادية والأدبية.

أما الثاني وهو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فالمراد به نشر الفكر الإسلامي، وبيان الحقائق الدينية، وتوجيه النفوس إليها وجذبهم نحوها، ودفع كل ما ليس بإسلامي، وإقامة الحق والعدل، وهو مقام سام لَا يصل إليه إلا ذوو

<<  <  ج: ص:  >  >>