للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الهمة والتقى من الرجال، وهو شاق إن أدي على وجهه، بحيث يرشد الحاكم والمحكوم، والقوي والضعيف، لَا يخشى في الله لومة لائم، لَا يجمجم إذا كان المنكر من قوي ظالم، ويغلظ ويعنف إن كان المنكر ممن لَا يخشى بطشه ولا يرجى عطاؤه، ولا يتأول لتصرفات من يخاف شره ويطمع في خيره.

فإن كان، المرشد على ذلك النحو فقد سار في طريق النبيين، ولقد روى أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: " من أمر بالمعروف ونهى عن المنكر فهو خليفة الله في الأرض، وخليفة كتابه، وخليفة رسوله " (١) وهو بهذا الاعتبار خير الناس، ومعنى خلافته عن الله تعالى أن يكون مصلحا في الأرض غير مفسد فيها، ولذا قال تعالى عند خلق آدم للملائكة: (إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ. . .)، فخلافة الله في الأرض تقتضي الصلاح والدعوة إليه، وذلك ما يقوم به الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر، ولقد سئل عليه الصلاة والسلام وهو على المنبر: مَنْ خيرُ الناس؛ قال: " آمرهم بالمعروف وأنهاهم عن المنكر وأتقاهم وأوصلهم " (٢). ولقد قال أبو الدرداء: (لتأمرُن بالمعروف ولتنهوُن عن المنكر أو ليسلطن الله عليكم سلطانا ظالما، لَا يجل كبيركم، ولا يرحم صغيركم، ويدعو عليه خياركم فلا يستجاب لهم، وينتصرون فلا ينصرون، ويستغفرون فلا يغفر لهم).

وإن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مراتب، تعلو كل مرتبة عن الأخرى بمقدار ما يكون فيها من مشقة وتعرض للعنت مع الجدوى والفائدة، ولذا كان أعلاه ما يوجه إلى الجائرين من الحكام والأمراء؛ ولذا قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: " أفضل الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر " (٣). وبذلك اعتبر النبي - صلى الله عليه وسلم - هذه المرتبة جهادا،


(١) رواه الديلمي عن ثوبان. كنز العمال ج ٣ (٥٥٦٤).
(٢) سبق تخريجه.
(٣) رواه النسائي: البيعة - فضل من تكلم عند سلطان جائر (٤١٣٨) عن طارق بن شهاب، وابن ماجه: الفتن - الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر (٤٠٠٢) عن أبي أمامة الباهلي، وأحمد: باقي مسند المكثرين (١٠٧١٦) عن أبي سعيد الخدري.

<<  <  ج: ص:  >  >>