للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أجزائه، ولا يفر قون بين أحد من رسله سبحانه، وفي هذا الأمر بيان اتصال المسلمين بالديانات السابقة، وبيان أن الإسلام لَا يهدم الأديان قبله. ولكنه يتممها. وأنه الخطوة الأخيرة في الوحي الإلهي، وأن من يكفر به وقد أدركه يكفر بغيره، وإن ادعى اعتناقه، ومن يصدقه من غير إيمان بالكتب السابقة لَا يكون صادقا.

وننبه هنا إلى أمر لفظي، قد أشرنا إليه، وهو أن الله تعالى عبر عن القرآن بقوله " نزَّل " وعن غيره بـ " أنزل "، لأن القرآن قد نزِّل منجما (١)، وكان لَا يزال ينزل وغيره قد تم نزوله، وفي ذلك إشارة إلى طريقة نزول القرآن وأنه أمر أراده الله تعالى لمصلحة العباد، وتسهيل هدايتهم به، وتسهيل حفظ النبي - صلى الله عليه وسلم - ومن معه له، ولأُنس النبي - صلى الله عليه وسلم - باستمرار الوحي ينزل عليه.

وبعد أن بين سبحانه حقيقة الإيمان، ذكر ما يؤدي إليه الكفر فقال سبحانه وتعالى:

(وَمَنْ يَكْفُرْ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا) أي من يجحد بالله، فلا يؤمن بوحدانيته ولا بقدرته المبدعة الخالقة ولا بحق الإذعان له، والعبودية له سبحانه وحده، ومن ينكر الملائكة، والكتب المنزلة، والرسل المرسلة واليوم الآخر، الذي ينتهي إليه أمر العباد، من يجحد ذلك الجحود، فقد حاد عن السبيل، وانحرف عن الجادة، وبُعد في التيه بعدا كبيرا، لَا يمكن معه أن يعود إلى الطريق المستقيم؛ لأنه أوغل في الشر إيغالا شديدا، وهنا نجد عناصر خمسة يجب الإيمان بها، وهي الإيمان بالله جل جلاله، والإيمان بالملائكة وهم عباده المطهرون الغائبون عنا حسنا، القريبون منا ومنهم من ينزل بوحي الله تعالى على رسله، ومن ينزل بالكتب؛ ولذلك قرن بالكفر بهم الفكر بالكتب التي ينزلها تعالى على خلقه مسجلة أحكامه وشرائعه وأوامره ونواهيه، واقترن الكفر بالرسل بالكفر بالكتب؛ لأن الرسل هم الذين يبلغونها، ويبينونها، ويدعون إليها،


(١) أي مفرقا بحسب الحوادث.

<<  <  ج: ص:  >  >>