منه لَا بد من تبديل الأقوام وتغيير واستبدال نفوس بنفوس، وذلك يحتاج إلى زمن طويل:(إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يغَيِّروا مَا بِأَنفُسِهِمْ وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ دسُوءًا فَلا مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُم مِّن دُونِهِ مِن وَالٍ).
وإني أرى أن العذاب الذي ينزل من فوق، والذي يجيء من تحت الأرجل، كلا الأمرين يشمل الحسي، ويشمل المعنوي بولاة السوء، وتحكم السفلة ومن لا يفقهون، ويتبعون كل ناعق، ولا يميزون بين الخبيث وغيره، لَا على أن ذلك من الجمع بين الحقيقة والمجاز، بل على أن ذلك تفسير لكلمة العذاب، بما يعم ولا يخص حسيا أو معنويا.
والنوع الثالث من العذاب الذي تصاب به الأمم، وهو الداء العضال الذي أصاب أهل الإسلام، هو التفرق والتباين (أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا وَيُذِيقَ بَعْضَكُم بَأسَ بَعْضٍ).
هذا عذاب للأمم، يحل وحدتها، وينثر جمعها، وهو أشد أنواع العذاب، عندما يتفاقم، ويكون الهوى المتبع، والشح المطاع وإعجاب كل امرئٍ وكل جماعة بنفسها وطريقتها (. . . كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحونَ)، فعندئذ تنفك العرا، وتنحل الأواصر، ويقوم المنكر، ويذهب المعروف، ولا سماع لصوت الحق.
و (يلبسكم) المذكورة في الآية من لبَس بفتح الباء يلبس، وهي تتضمن معاني ثلاثة: أولها - الستر، فالحقائق تستر عمن يُلَبَّس عليه، فلا يراها، وثانيها - الخلط، فيختلط الحق بالباطل، والذين يقعون في هذا اللبس (يلبسون الحق بالباطل) فلا يكون وضوح يفرق بين الحق والباطل، وثالثها - وجود غشاوة على القلوب تحجب عنها بسبب التعصب لما يعتقده، فيزين له سوء عمله، فيراه حسنا، ويرين على قلبه فلا يدرك.