للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وقوله تعالى: (يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا) شيَع هنا حال، أي يخلطكم حال تشيع جماعتكم، فتكون كل جماعة شيعة قائمة بذاتها منفصلة عن سواها - وأصل كلمة شيعة من شيعت النار بالحطب: قويتها، فالشيعة من يتقوى بها في حدة وحرارة، وينتشرون عنها منادين بها، وقد تستعمل في معنى التجمع للخير، كما في قوله تعالى: (وَإِنَّ مِن شيعَتِهِ لإِبْرَاهِيمَ)، وقوله (. . . هَذَا مِن شِيعَتِهِ وَهَذَا مِنْ عَدُوِّهِ. . .)، ولكن كثيرًا ما تكون في التشيع لغير الحق، وما يكون فيه تعصب شديد فتكون كأنها وقود يقوي النيران؛ نيران الحقد والحسد والبغضاء.

ومعنى الجملة السامية (يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا) أنه سبحانه يخلطكم، وتلتبس الأمور، ولا تميزون بين الخبيث والطيب، وتكونون قوما بورا، وذلك الضلال يصحبه انقسامكم شيعا متفرقين توقد بينكم نيران البغضاء والعداوة، وتفترقون فيما بينكم، فلا تكونون أمة واحدة تجمعها وحدة جامعة، ولكن تكون طرائق متفرقة، وأخلاطا غير متجانسة ولا متمازجة.

ولا تكون العلاقة فيها مودة واصلة ورحمة عاطفة، بل تكون العداوة المستحكمة، كل شيعة تتربص بالأخرى الدوائر في غير هوادة، ولا نفوس قارة، بل في نفوس فاترة، وهذا مؤدى قوله تعالى: (وَيُذِيقَ بَعْضَكُم بَأسَ بَعْض) أي تكون العلاقة أن يذوق كل جماعة شدة الجماعة الأخرى، أي يكون بأسهم بينهم شديدا، فقوتهم تكون على أنفسهم، ولا تكون على غيرهم، وعبر سبحانه عن البغضاء والعداوة بأن يذيق بعضهم بأس بعض، وذلك تصوير بياني يشبه الإصابة بالبأس بذوقه واستطعامه للإشارة إلى أنهم يستطعمون العداوة بينهم، ويستطيبون البأس الشديد الذي يحكمهم كمن يستطيب طعاما شهيا، وذلك ينبئ عن فساد أمرهم، واضطراب حالهم، وقلب طباعهم، حتى إنهم يستمرئون العداوة كأنها طعام مريء.

<<  <  ج: ص:  >  >>